رفعتها طرد النعام وفوقه ... حتى إذا سخنت وخف عظامها
قلقت رحالتها وأسبل نحرها ... وابتل من زبد الحميم حزامها
تأمل موسيقا هذا البيت الأخير، مداته وحركاته، والشدة في قوله:"وابتل" التي كأنما أراد الشاعر أن يؤكد بها رنة كلامه ونغمة. والحاءات المتتابعة التي تكاد تسمع منها أنفاس الفرس-. هذا وأبيك السحر، وصقال الذوق والفكر. هذا وسائر هذه المعلقة رائع باهر ولا سيما من ناحيتي الوزن واللفظ. ولعل أضعف ما فيها أبيات الفخر القبلي التي ختم بها المعلقة من قوله:"إنا إذا التقت المجامع" إلى آخر كلامه. ومن عجب أن هذه الأبيات هي التي يختارها المختارون لطلبة المدارس من دون سائر أبيات القصيدة.
ولعل فيما ذكرناه من معلقة لبيد قدرًا كافيًا يوضح منهجه في الكامل من استعمال الرصانة والقوة والفخامة والشدة.
والطريقة الأخرى، وهي طريقة الرقة واللطافة، والتغني العذب، تجدها من شعراء الجاهلية عند عنترة في معلقته:
هل غادر الشعراء من متردم
فهي تكاد تذوب لطفًا، والتغني فيها مرح سلس منطلق خفيف، حتى لتوشك تظن أن الشاعر يترشف الألفاظ ترشفًا - ونكتفي في الاستشهاد بذكر طرف من ميمته في صفة الروضة - قال:
إذ تستبيك بذي غروب واضح ... عذب مقبله لذيذ الطعم
وكأن فارة تاجر بقسيمة ... سبقت عوارضها إليك من الفم
أو روضة أنفا تضمن نبتها ... غيث قليل الدمن ليس بمعلم