للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستكثر من رد بعض كلمات الصدر على العجز، ثم هو يستعمل الطباق على مذهب أبي تمام. وكل ذلك تجده يتدفق منه طبعًا وبلا تكلف. وقد كان الرجل رحمه الله من الموهوبين ولا أمتري أنه لو كانت تقدمت به السن لصار ذا شأن عظيم.

ومذهب الشريف الرضي واضح الفخامة تغلب عليه صيغة الخطابة. وكاملياته الجياد كثيرة نحو:

لمن الحدوج تهزهن الأينق ... والركب يطفو في السراب ويغرق

وهو مشهورة. ونخص من كاملياته بالذكر هنا، قصيدته في رثاء الصاحب بن عباد (٣٨٥ هـ) وأبي إسحق الصابي (٣٨٤ هـ) فقد أجاد فيهما ولا سيما الثانية. وله فيهما طريقة فذة أظنه بناها على نهج البحتري في كلمته:

أرأيت للعلياء كيف تضام ومواسم الأحساب كيف تقام وقد قلده في هذه الطريقه أبو العلاء المعرى في كلمته:

أودى فليت الحادثات كفاف ... مال المسيف وعنبر المستاف

وأظن أبا العلاء فعل ذلك تأدبًا مع الشريف لا تعمدًا لمحاكاته. وهذا حين نبدأ في الاختيار من كلام الشريف. قال يرثي الصاحب بن عباد (١):

أكذا المنون تقطر الأبطالا ... أكذا الزمان يضعضع الأجيالا

أكذا تصاب الأسد وهي مدلة ... تحمي الشبول وتمنع الأغيالا

أكذا تغاض الزاخرات وقد طغت ... لججًا وأوردت الظماء زلالا

يا طالب المعروف حلق نجمه ... حط الحمول وعطل الأجمالا

وأقم على يأس فقد ذهب الذي ... كان الأنام على نداه عيالا (٢)


(١) يتيمة الدهر ٢٨٣: ٣.
(٢) قال التوحيدي: "كان الصاحب يعطي كثيرًا قليلا". والفضل ما شهدت به الأعداء ولا سيما عدو سليط اللسان كالتوحيدي - انظر ترجمة الصاحب في معجم الأدباء.

<<  <  ج: ص:  >  >>