من كان يقري الجهل علمًا ثاقبًا ... والنقص فضلا والرجاء نوالا
ويجبن الشجعان دون لقائه ... يوم الوغى ويشجع السؤالا
خلع الردى ذاك الرداء نفاسة ... عنا وقلص ذلك السربالا
خبر تمخض بالأجنة ذكره ... قبل اليقين وأسلف البلبالا
حتى إذا جلى الظنون يقينه ... صدع القلوب وأسقط الأحمالا
هذان البيتان لم نخترهما لجودتهما ولكن لما فيهما من الإغارة الجريئة على قول المتنبي:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر ... فزعت منه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا ... شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
وفضل المتنبي ظاهر، على ما يشين كلام الشريف من التزيد والمبالغة، ولكنه أحسن حين قال:
الشك أبرد للحشى في مثله ... يا ليت شكى فيه دام وطالا
جبل تسنمت البلاد هضابه ... حتى إذا ملأ الأقالم زالا (١)
يا طود كيف وأنت عادي الذرى ... ألقى بجانبك الردى زلزالا
ما كنت أول كوكب ترك الدنى ... وسما إلى نظرائه فتعالى
لا رزء أعظم من مصابك إنه ... وصل الدموع وقطع الأوصالا
يا آمر الأقدار كيف أطعتها ... أو ما وقاك جلالك الآجالا
هلا أقالتك الليالي عثرة ... يا من إذا عثر الزمان أقالا
وأرى الليالي طارحات حبالها ... تستوهق الأعيان والأرذالا
صلى عليك الله من متوسد ... بعد المهاد جنادلًا ورمالا
(١) لا تعجبني كلمة الأقالم هنا.