للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي تكف عن الجري وتقف وتشرب ..

المعنى مطروق، فانظر إلى أبي ذؤيب كيف تعمل في صياغته. نفدت بضاعته عند قوله «رزونه». فأقحم «فبأي حين ملاوة تتقطع»، فأضاف الملاوة إلى الحين، وإضافة الشيء إلى نفسه مذهب جائز عند الجاهلين، ولكن لا في كل حالة ولا في كل تعبير، والغالب فيه أن يكون المضاف كلمة أقل في الاستعمال من المضاف إليه نحو «حسام السيف». ولو كان أبو ذؤيب قال: «ملاوة حين» لكان لها وجه، ولكنه عكس. وحتى مع التسليم بأن كلامه هذا قد جاء على وجهه، فأي فائدة في قوله «وبأي حين الخ»، وما معنى التعجب هنا؟

وانظر إلى قوله:

فافتنهن من السواء وماؤه ... بشر وعانده طريق مهيع (١)

ما معنى عانده هنا، والوجه عارضه. وإنما أراد المبالغة، لأنه سمع أن الحمر تتنكب الطرق المهايع فحسب أنه إن لاقتها طريق مهيع فإنها تنغص عليها وتعاندها ... فانظر إلى هذا التكلف.

وانظر إلى قوله:

فنكرنه وننفرن وامترست به ... سطعاء هادية وهاد جرشع (٢)

كل ما أراد أن يقوله: لازمته أتانه ذات العنق الطويل، «السطعاء»، في حال كونه مادا عنقه الطويل، ومخلصاً في الجري، فعطف الهادي الجرشع (وهو عنق الحمار) على السطعاء الهادية وهي الحمارة. وليس هذا بنهج بليغ.


(١) افتنهن: ساقهن فنونا .. وماؤه: الضمير يعود على الحمار: أي الماء الذي يريده ببثر وهو موضع. والسواء سرارة الوادي: أي تجنب بها ماء الوادي خشية القناص قاصداً بئراً حيث يظن أن لا قانص.
(٢) أي سمعن صوتاً فأنكرنه، فولي الحمار هارباً مع أتنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>