للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في كل آونة ثبت صبغة ... عجبا وأنت الصانع المتأنق

أنت الدهور عليك مهدك مترع ... وحياضك الشرق الشهية دفق

تسقي وتطعم لا إناؤك ضائق ... بالواردين ولا خوانك ينفق

أي ينفد ما عليه، أخذه من نفوق الدابة، أي موتها.

والماء تسكبه فيسبك عسجداً ... والأرض تغرقها فيحيا المغرق

أخلقت راووق الدهور ولم تزل ... بك حمأة كالمسك لا تتروق

دين الأوائل فيك دين مروءة ... لم لا يؤله من يقوت ويرزق

لو أن مخلوقاً يؤله لم تكن ... لسواك مرتبة الألوهة تخلق

هذا كلام في جملته حسن، وألفاظه قوية (عدا قوله «فإذا حضرت» ففيه ضعف) وفي بعض أبياته جلجلة لا تخفى كقوله: «وحياضك الشرق الشهية دفق» فهذا نهج لبيدي أو كاللبيدي.

وقد خلص شوقي من وصف النيل وصفاً عاماً إلى ذكر تأريخه. وقد أجاد هنا وأبدع ووفق غاية التوفيق. ولعلك تذكر أيها القارئ الكريم أنا تحدثنا إليك عن إخفاقه في عرضه التأريخي من قصيدته الهمزية:

همت الفلك واحتواها الماء

وقد ذكرنا هناك أن أسلو به تعليمي لا حياة فيه. وشوقي في هذه القصيدة القافية - بخلاف حاله في الهمزية - حي النفس، قوي الشعر، بعيد إلا ما ندر عن جمود التعليم وجفافه. والسبب في ذلك عندي أنه هنا ينظر بعين الإنسانية الرحيبة الأفق العريضة الأرجاء لا بعين الوطنية الضيقة كما فعل في الهمزية. وشوقي كما قد قلت غير مرة في هذا السفر، ليس بشاعر وطنية، ولا شاعر مذهب، ولا عصيبة، ولكنه رجل عامر القلب مرهف الإحساس، واسع الاطلاع، محب للإنسانية،

<<  <  ج: ص:  >  >>