للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عطوف عليها، قوام بمثلها العليا، مع إيمان بالله، وصدق عقيدة في الإسلام. هذه الأشياء جميعها تجعله من أبعد الناس عن الوطنية الضيقة العطن، المحصورة الآمال والمقاصد. وإذ نظر إلى التأريخ في همزيته من حيث إنه تأريخ مصر، وسلك في عرضه مسلك الوطني المتعصب، وهو مسلك ليس من أدلائه ولا رادته، وقع بالضرورة في الجفاف والجمود. ولكنه في هذه القافية نطق بلسان الإنساني الترحيب الصدر، الذي يتخذ من التأريخ إما مجالاً للتفكير والتأمل، وإما مستورداً لعظات وعبر يترنم بها ويتغنى، ثم هو قد أضاف إلى ذلك أسلوب الشاعر الحريص على جودة اللفظ ورنته وموسيقاه ولا سيما في بحر الكامل المجلجل، بحسبك أن تنظر في قوله:

أين الفراعنة الألى استذرى بهم ... عيسى ويوسف والكليم المصعق

الموردون الناس منهل حكمة ... أفضى إليه الأنبياء ليستقوا

الرافعون إلى الضحا آباءهم ... فالشمس أصلهم الوضيء المعرق

وكأنما بين البلى وقبورهم ... عهد على أن لا مساس وموثق

تأمل هذه الأبيات وإحكام صنعتها، ثم انظر إلى البيت الرابع ووازن بينه وبين قوله هو في نفس المعنى:

وما بال الطعام يكاد يقدي ... كما تركته أيدي الصانعينا

أي الكلامين أسمى، وأفعل بالقلب، وأجدر أن يكرمه الناقد؟ ثم قال:

بلغوا الحقيقة من حياة علمها ... حجب مكثفة وسر مغلق

وتبينوا معنى الوجود فلم يروا ... دون الخلود سعادة تتحقق

يبنون للدنيا كما تبني لهم ... خرباً غراب البين فيها ينعق

فقصورهم كوخ وبيت بداوة ... وقبورهم صرح أشم وجوسق

رفعوا لها من جندل وصفائح ... عمداً فكانت حائطاً لا ينتق

<<  <  ج: ص:  >  >>