فإن كنت تنفر من اللغات العامية أيها القارئ، فليس أمامك إلا أحد أمرين:
١) إما أن تستحدث أوزانا جديدة كل الجدة وتخترع لها ما يلائمها من قيود.
٢) وإما أن تقول بتوسيع الذخيرة ودراسة اللغة كما ينبغي.
أما الوجه الأول، قد فات المناسب منذ القرن الثالث الهجري، والإقدام على التجديد في الأوزان الآن، معناه أن نحدث تغييرًا جوهريًا في ناحية جوهرية من نواحي اللغة العربية لازمتها أكثر من ستة عشر قرنا. وإحداث تغيير كهذا في لغة عريقة في القدم مليئة بالتقاليد المعتقة، مطلب عزيز جدا تحقيقه، أدخل في باب الأوهام والتخيلات منه في باب المعقول المقبول، اللهم إلا أن تكون اللغة العربية بدعا بين اللغات.
والوجه الثاني هو الرأي الصواب وإن كنت أراك تنفر منه. وكيف يجوز لك أن تقول سأكتب وأنظم بالعربية الفصيحة، ومع ذلك فلن أبالي بتوسع ذخيرتي فيها ولا بتجويد نحوها وصرفها، ورحم الله الشيخ الطيب السراج (١) إذ سمع مثل هذا القول من بعضهم فقال: أيجوز لك أن تقول وأنت تكتب نثرًا بالإنجليزية: I goes أو تقول: They is، فيكيف تحرص على سلامة الإنجليزية ولا تحرص على سلامة العربية؟
حتى وإن أبيت وقلت: فإن كان لا بد من دراسة الأصول ومعرفة اللغة، فأنا أنظم وأكتب بالعامية، فإني لا أجد مفرًا من أن أذكرك بأنك مع هذا لن تستغني عن الفصحى، لأنها أصل العامية ومنبعها، ولأنها ولأنها مستودع التراث الديني والأدبي، الذي لا يمكن أن نفصل عنه أنفسنا بحال من الأحوال.
(١) في الطبعة الأولى: ولله دره .. وكان الشيخ الطيب السراج آنذاك حيًا.