للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلا عليهن التراب ولم يكن ... يزكو بهن سوى العبير ويلبق

واستعمال «يلق» هكذا لا يقدر عليه إلا وذوق وملكة، ومعناها «يوافق» و «يلائم» كما فسرها شوقي، وأصله من اللباقة أي الظرف، فكأنك إذا قلت لبق هذا الثوب بتلك الحسناء، أردت أنه «ظريف» عليها. (رجع).

حجراتها موطوءة وستورها ... مهتوكة بيد البلى تتخرق

وآخر هذا البيت ضعيف ولكن يغفر له ما بعده:

أودي بزينتها الرمان وحليها ... والحسن باق، والشباب الريق

لو رد فرعون الغداة لراعه ... أن الغرانيق العلى لا تنطق

وفي هذا إشارة إلى خبر الغرانيق الذي ذكره الطبري في تأريخه. وصاحب الكشاف يثبته ولا ينفيه، ولا يرى في ذلك ما ينافي عصمة النبوة (١).


(١) قال جار الله محمود بن عمر الزمخشري (الكشاف ٣٧: ٣) في تفسيره الآية: «وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته» من سورة الحج: «السبب في نزول هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أعرض عنه قومه وشاقوه وخالفه عشيرته ولم يشايعوه على ما جاء به تمنى لفرط ضجره من إعراضهم، ولحرصه وتهالكه على إسلامهم ألا ينزل عليه ما ينفرهم، لعله يتخذ ذلك طريقة إلى استمالتهم واستنزالهم عن غيهم وعنادهم، فاستمر به ما نتمناه حتى نزلت عليه سورة النجم وهو في نادي قومة، وذلك التمني في نفسه، فأخذ يقرؤها فلما بلغ قوله «ومناة الثالثة الأخرى» ألقى الشيطان في أمنيته» التي تمناها، أي وسوس إليه بما شيعها به، فسبق لسانه على سبيل السهو والغلط إلى أن قال: «تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجي»، وروي «الغرانقة» ولم يفطن له حتى أدركته العصمة فتنبه، وقيل نبهه جبريل عليه السلام أو تكلم الشيطان بذلك فأسمعه الناس، فلما سجد في آخرها، سجد معه جميع من في النادي وطابت نفوسهم، وكان تمكين الشيطان من ذلك محنة من الله وابتلاء زاد المنافقون به شكاً وظلمة، والمؤمنون به نوراً وإيقاناً إلى آخر كلام الزمخشري ا. هـ». هذا، وقد أنكر الدكتور هيكل قصة الغرانيق في كتابه «حياة محمد»، وحججه كلها حدسية، ولا يطمئن إليها القلب. وكلام الزمخشري هنا قوي جداً. وفتنة الأنبياء لا تنافي العصمة، إذ الله يبتليهم بأشد مما يبتلى به سائر خلقه، وقد سلط عليهم الشيطان والضعف البشري كليهما، كل ذلك محنة منه وبلاء، ثم هو بعد ذلك يثبتهم على الحق بما يقدف في قلوبهم من نور الإيمان. ومما يقوي كلام الزمخشري هذا أن في القرآن آيات عتابية كثيرة تؤيده، منها قوله تعالى، في شبيه من غرض هذه الآية: (سورة الإسراء) «وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لا تخذوك خليلاً. ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً. إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً». صدق الله العظيم، هكذا يكون تأديب المهيمن جل شأنه لأنبيائه ومرسلية.
وفي سورة فصلت: «وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون». ومن الكفار شياطين هم للنبي صلى الله عليه وسلم أعداء فكلمة الغرانيق العلى من لغوهم وفتنتهم ولعل هذا الوجه أقوى الوجوه ذكره عياض في الشفاء وبه نقول والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>