أن العاشق الشاعر المرهف الحس وحده هو الذي يعرف قيمة هذا الجمال، وهذه يد من الشاعر العاشق على الجميل المعشوق، ومنة عظيمة ينبغي ألا تكفر.
هذه خلاصه مذهب الأستاذ العقاد. ويؤخذ على هذا المذهب أمران: الأول هو أن العاشق ينبغي له أن يكون ذليلاً، إذ الذل من مقتضيات الحب ولوازمه، قال أبو نواس:
سنة العشاق واحدة ... فإذا أحببت فاستكن
والذي يدعو إليه الأستاذ العقاد فيه كبرياء لا تخفي، وفيه مع الكبرياء احتقار للمعشوق، واتهام له بأنه دمية لا أكثر ولا أقل. وأنى يجتمع الحب والاحتقار للشيء الواحد في قلب؟ والاحتقار لا يخلو من بغض على أية حال، اللهم إلا أن تزعم أن الحب لا يخلو من بغض على أية حال. وحتى إن سلمنا لك بذلك، فإننا نجزم بأن المحب الحق، تسيطر ناحية الحب منه على كل شيء، حتى على ناحية البغض التي قد تفترض أنها كامنة في خفايا الحب، فان كان المحب شاعر، فسبيله أن يطلب الصفو المحض الذي لا يشوبه كدر، وإن لا فأين تكون ناحية السمو في حبه؟
والأمر الثاني الذي يؤخذ على الأستاذ العقاد، هو أن فرض الجهل بالجمال من ناحية الجميل المعشوق لا يمكن التسليم به، إذ النساء، وهن المقصودات بالعشق أول من كل شيء يدركن لأنوثتهن وحدها قوة قادرة على تملك قلوب الرجال، وإن لم يكن لها شافع من وجه حسن، أو قوام رشيق، فكيف إذا كان معها جمال رائع وسحر خلاب؟ أليس المشاهد أن الجميلات من النساء من أشد خلق الله جبروتاً وتيهاً؟ أم ليس من المشاهد أنهن يتعمدن الكبرياء لما يشعرن به من قوة الجمال إلى ما حباهن الله من قوة الأنوثة؟ هذا، وغير النساء من يقصد بالعشق إذا أحس لنفسه جمالاً، تاه وتكبر، ولذلك قال الحسين بن الصحاك الخليع: