تتيه علينا أن رزقت ملاحة ... فمهلاً علينا بعض تيهك يا بدر
فقد طالما كنا ملاحاً وطالما ... صددنا وتهنا ثم غيرنا الدهر
فكيف إذن يجوز لنا أن نفرض في الجميل المعشوق أنه يجهل قدر جماله كما يفرض الأستاذ العقاد؟
وقد يعترض على هذا بأن العقاد لا يفرض أن الجميل يجهل قدر جماله من حيث إنه سحر جسدي جذاب، لكنه يجهل كنهه ومعناه وسره، ولولا ذلك قد كان أقبل بوصاله على المحب الشاعر الذي يفهم سر هذا الجمال ومعناه. وهذه حجة ملفوفة، فحواها أن الجميل مدين للشاعر المحب من حيث إن هذا الشاعر يخلد جماله، وهل جماله إلا عرض من أعراض الدنيا الزائلة إن لم يخلده الشاعر؟ وإلى قريب من هذا المعنى ذهب أبو تمام في قوله وهو يخاطب خالد بن يزيد الشيباني (١).
من أجل ذلك كانت العرب الألى ... يدعون هذا سؤدداً محدوداً
وتند عندهم العلى إلا على ... جعلت لها مرر القصيد قيوداً
وأوضح من هذا قوله:
ولولا خلال سنها الشعر ما درى ... بغاة الندى من أين تؤتى المكارم
ولو شاء من يقر الأستاذ العقاد على مذهبه ويناصره لقال:
ولولا خلال سنها الشعر ما درى ... أولو الحسن ما معنى الجمال وما الحسن
وهذا كله من ادعاءات الشعراء وتدليساتهم التي يحتالون بها للمنالة والوصل وقول العقاد:
(١) يعني من أجل أن الشعر يحفظ المآثر (وهذا المعنى تقدم في أبيات له سابقة) كانت العرب الألى أي الأوائل أو هم من عرفت، يعدون السؤدد سؤدداً محدوداً إن لم يخلده شعر شاعر؛ ثم إن أبا تمام شبه المعالي بالإبل، فجعلها تند إن لم تقيد بحبال القريض الشديدة وتحفظ.