للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما الفرات إذا جاشت غوار به ... ترمى أواذيه العبرين بالزبد (١)

يوماً بأجود منه سيب نافلة ولا ... يحول عطاء اليوم دون غد

من أبيات أحسن فيها صفة الفرات.

وعندي أن كلام الأستاذ مارون هذا غير صحيح. فصفة البحر ف أتقنه المشارقة من شعراء الجزيرة العربية، ولا عجب فقد كانوا على قرب من البحر، وكان العمانيون منهم والبحرانيون أهل ملاحة وغوص. والأعشى أقرب لأن يكون أخذ من خاله المسيب بن علس من أن يكون أخذ من النابغة. على أن تشبيه الجواد بالبحر في ذاته أقدم من الأعشى وأقدم من النابغة كليها. وهو من التشبيهات «الكليشهات» والشاعر إذ يذكره لا يقصد إلى مجرد التشبيه وإنما يرمي إلى التصوير وإتقان الأداء ولا شك أن قول الأخطل من تشبيه في نفس المعنى:

وما مزبد يعلو جزائر حامر ... يفرج عنها خيزرانا وغرقدا

الخ

جيد بالغ، وإن كان يشتم فيه نفس كلام النابغة، وقوله:

يمده كل واد مترع لجب ... له ركام من الينبوت والخضد (٢)

ذلك بأنك لا تجد عند النابغة هذه الصورة «يفرج عنها خيزرانا وغرقدا» مع شرف اللفظ وفخامته. [على أن كلام النابغة في ذاته شريف وصوره جيدة]. ولا


(١) أواذيه: أمواجه.
(٢) الينبوت: ضرب من النبات. والخضد: ما تكسر من قصب أو نحوه، وهو فعل بمعنى مفعول من خضدت الشيء: أي كسرته.

<<  <  ج: ص:  >  >>