للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئاً فمن الخطل في الملاحة أن تجذب حبل الشراع، فإن ذلك يقلبها إن كانت صغيرة، وقد يحطم الشراع إن كانت كبيرة. والوجه أن ترخي حبل الشراع، فان لم يغن ذلك أنزلت الشراع أو لففته واستغنيت عنه. ولا فرق في هذا بين أن يكون إبحارك مع الريح أو عكسها أو مقاطعة لها على زاوية قائمة. ولعل في هذه الأبيات الرائية التي ذكرناها دليلاً مقنعاً لمن يتهم الأعشى بالسرقة من النابغة، أن الأمر ليس كذلك وأن الرجل كان يتغنى بما يعرف، وقد سافر في البر والبحر وبلا من ذلك ضروباً. وانظر إليه يصف أسفاره في الميمية ويخاطب ابنته:

تقول ابنتي حين جد الرحيل ... أرانا سواء ومن قد يتم

أبانا فلا رمت من عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم (١)

ويا أبتا لا تزل عندنا ... فأنا نخاف بأن تخترم

أرانا إذا أضمرتك البلا ... د نجفى وتقطع منا الرحم

أفي الطوف خفت على الردى ... وكم من رد أهله لم يرم (٢)

وقد طفت للمال آفاقه ... دمشق وحمص وأوري شلم

أتيت النجاشي في أرضه ... وأرض النبيط وأرض العجم

ثم أخذ الأعشى بعد ذلك في القصص وضرب الأمثال:

ألم ترى الحضر إذ أهله ... بنعمي وهل خالد من نعم (٣)

أقام به سابور الجنو ... د حولين تضرب فيه القدم (٤)


(١) أي لم تذهب، من رام بريم: برح يبرح.
(٢) أي لم يرم أهله: لم يبرح الخ، وفي الأصل «أفي الطرف وهو تصحيف يعني: أتخافين أن أموت بسبب التجول، فكم من مقيم في داره قد مات؟
(٣) الحضر: هو قصر الضيزن وكان حصيناً، وكان محصناً بطلسم سحري، فحاصره سابور فلم يستطع اقتحامه، ثم عشقته بنت الضيزن فأعلمته بالطلسم. والقصة مشهورة تجدها في مقدمة معجم ما استعجم للبكري.
(٤) جمع قدوم، وهو ضرب من الفئوس، ويقال له عندنا «قدوم» في العامية ينشديد الدال وهي صحيحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>