للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترى الشم الجحاجح من قريش ... إذا ما الأمر في الحدثان عالا

بني عم النبي ورهط عمرو ... وعثمان الذين علوا فعالا

قيامًا ينظرون إلى سعيدٍ ... كأنهم يرون به هلالا

فهذا الكلام خطبة حارة صادقة. وإنه لمن حسنات زياد أنه قد أخاف الفرزدق وتوعده، فإن ذلك قد شغل على ذلك الشاعر الفذ جوانب قلبه بالجد والعاطفة القوية حينًا من الدهر، وصرفه شيئًا علما كان إجرياه من الهزل والعبث. ولعلك تسائلني. لم أكترث لك من شعر الفرزدق في معرض التمثيل لبحر الوافر. وما ذلك إلا لأنني أكثرت لك من شعر الفرزدق في معرض التمثيل لبحر الوافر. وما ذلك إلا لأنني وجدت الفرزدق من الذين لا يكادون يحفلون بتجويد الصياغة في أكثر شعرهم. كما أني ألفيته يميل إلى التمهل في كلامه دون الإسراع، وإلى عرض جوانب عدة من الأمر الواحد، إلا أني في الوافر وجدته يؤثر الخطابة وتحكيك اللفظ مع الاقتصاد في المعاني إلا ما كان لازمًا لغرضه، أو ما كان يستلزمه خاطر سريع، ونكتة لاذعة. ثم وجدته مع ذلك يأتي بكلامه دفعًا دفعًا متلاحقة سريعة على خلاف طبيعته في غير الوافر من الأوزان.

وأضرب لك مثلين آخرين من شعره في الوافر، قال يأسف ويتندم على طلاقه للنوار (١)

ندمت ندامة الكسعي لما ... غدت مني مطلقة نوار

وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين لج به الضرار

وكنت كفاقيء عينيه عمدًا ... فأصبح لا يضيء له النهار

ولو أني ملكت يدي ونفسي ... لكان علي للقدر الخيار

وقال يهجو أحد بني باهلة يدعي الأصم (٢).


(١) الكامل ١ - ٧٢.
(٢) الديوان ٢ - ٧٧٣ - ٧٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>