للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليتم أمرنا ولكم علينا ... فضولٌ في الحديث وفي القديم

إذا بعض السنين تعرقتنا ... كفى الأيتام فقد أبى اليتيم (١)

وكم يرجو الخليفة من فقيرٍ ... ومن شعثاء جائلة البريم (٢)

وأنت إذا نظرت إلى هشامٍ ... نظرت نجار منتجبٍ كريم

ولي الحق حين يؤم حجًا ... صفوفًا بين زمزم والحطيم

تواصت من تكرمها قريشٌ ... برد الخيل دامية الكلوم

فما الأم التي ولدت قريشًا ... بمقرفة النجار ولا عقيم

فهذا مدح صاف. ولعلك تسألني كما سألني أحد الطلبة: ماذا في هذه القصيدة مما يستحق أن يحسب في الشعر الجيد؟ إن شاعرها لم يعد أن ذكر آباء الممدوح، ثم عدد بعد ذلك صفات ولم يجيء بمعنى فريد أو صورة رائعة أو شيء يهز؟ وقد لفتني ذلك الطالب -لما رأيت صدقه في سؤاله- إلى ثلاث نواح في القصيدة، ولو كانت توفرت للشاعر واحدة منها لكفته:

(١) ناحية المدح المناسب لعظمة الخلافة، وهذه قد حواها جرير من أطرافها مع إيجاز ويسر- فقد أشاد بعراقة الخليفة في بيوتات السيادة العربية، ثم مدح عصبيته من قريش، ثم أثنى على عدل الحاكم فيه وبره بالرعية، ثم وفى رئاسته الدينية حقها من الإكبار.

(٢) وناحية اليسر، فقد جاء جرير بلفظ سلسٍ واضح يفهمه القارئ الآن فضلاً عن المعاصر في ذلك الحين. وفي هذا من الدعاية للخليفة ما لا يخفى.


(١) أي إذا حلت بنا سنة شهباء مهلكة للمال، وهذا البيت من شواهد النحاة في أن الإضافة إلى المؤنث قد تفيد المضاف تأنيثًا.
(٢) جائلة البريم: أي مهزولة. والبريم: خيط تشده المرأة في حقوها، وإذا جال فقد زال لحم عجيزتها من الهزال.

<<  <  ج: ص:  >  >>