للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقصيدة التي توضح كل التوضيح كيف نفس جرير في الوافر، دماغته التي هجا بها عبيد بن حصين الراعي. ولولا خشية الإطالة لأوردتها هنا كاملة، ثم أتبعتها بداليته في التيم. واليائية خاصة قد جمع فيها جرير كل فنون الطبع والأداء كما ينبغي أن تتجلى في الوافر- التكرار الخطابي، والتقسيم، والطباق، والتلاعب باللفظ، والافتنان في الإطناب، ثم مع ذلك الإيجاز الذي لا بعده، والإتيان بأبيات كاملة مصمتة التركيب، لا تستطيع أن تبدأ بأولها ثم تقف في جزء منها بدون أن تخل بنظام الكلام، ولا تكاد تملك إلا أن تندفع فيها إلى الآخر، كأنما أراد الشاعر لتنشدها مسرعًا في نفس واحج. مثال ذلك قوله:

ستهدم حائطي قرماء مني ... قوافٍ لا أريد بها عتابا

وقوله:

ترى الطير العتاق تظل منه ... جوانح للكلاكل أن تصابا

ولعلما يُصلح هذا التمثيل أن أنشدك معه قطعة وافية من القصيدة. قال رحمه الله (١):

أعد الله للشعراء مني ... صواعق يخضعون لها الرقابا

قرنت العبد عبد بني نمير ... إلى القينين إذ غلبا وخابا (٢)

لبئس الكسب تكسبه نميرٌ ... إذا استأنوك وانتظروا الإيابا

أتلتمس السباب بنو نمير ... فقد وأبيهم لاقوا سبابا

أنا البازي المدل على نميرٍ ... أتحت من السماء لها انصبابا


(١) ديوانه ٧١ - القصيدة (٦٤ - ٨٠).
(٢) عنى عبيد بن حصين وجعله عبدًا تلاعبًا باسمه. والقينان: هما الفرزدق والبعيث- والقين: الحداد- وقد كان أكثر القيون عبيدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>