للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجل أحذق وأخبث من ذلك. وقد تعرض في الأبيات التالية لشعر الراعي، فأصاب منه مقتلاً:

فيا عجبًا أتوعدني نُميرٌ ... براعي الإبل يحترش الضبابا

ولم يكن عبيد يدعى بالراعي لأنه كان راعيًا -فالرعي كان من المهن الحقيرة لا يتعاطاه إلا الصبيان والإماء والعبيد- وإنما لقب هذا اللقب لحسن نعته للإبل والرعي.

لعلك يا عبيد حسبت حربي ... تقلدك الأصرة والعلابا (١)

إذا نهض الكرام إلى المعالي ... نهضت بعلبةٍ وأثرت نابا

قد يخيّل لقارئ هذا الشعر أن جريرا أراد أن يهجو عبيدًا بمهنة الرعي، فهو لذلك يوازن بينه وهو يحمل قعبه ليحلب النوق، وبين الكرام الناهضين إلى المعالي. ولكن ليس هذا بقصد جرير. وإنما أراد أن يعيب شعر الرجل، وبين ناحية تقصيره في الفن والأداء والأغراض الشعرية، باتهامه بأنه لم يكن يحسن أن يقول في سوى الصر والحلب والعفاس وبروع، ولم يكن يقدر على تناول الأحداث الجسام بالوصف والتصوير، ولا مدح من حقه أن يمدح من السادة، ولا ذم من حقه أن يُذمّ من اللئام. والأبيات التالية توضح قصد جرير هذا أيما توضيح:

تنوخها بمحنية وحينًا ... تبادر حد درتها السقابا (٢)

وفي هذا إشارة لأوصاف الراعي للحلب.

تحن له العفاس إذا أفاقت ... وتعرفه الفصال إذا أهابا


(١) الأصرة: جمع صرار، ويوضع على ضرع البهيمة. والعلاب: جمع علبة، وهي إناء يُحلب فيه. والناب: الناقة.
(٢) الساقب: جمع سقاب، وهو ولد الناقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>