والعفاس: ناقة ذكرها الراعي في شعره حيث يقول: «أشلي العفاس وبروعا» وجرير في موضع آخر من دماغته يذكر «برووع» وينسب الراعي إليها، وذلك قوله:«وما حق ابن بروع أن يهابا» كأنه لا يجعل له أمًا ولا أبًا في دولة الشعر غير هذه الناقة التي أحسن وصفها وأشاد بذلك بنو نمير وأكبروه، كما أكبرت تغلب نونية عمرو بن كلثوم وهذا البيت الآتي يبين لك ذلك:
فأولع بالعفاس بني نمير ... كما أولعت بالدبر الغرابا
وخلاصة هذا النقد الذي وجهه للراعي أنه اتهمه بالتقليد والعكوف على أغراض البداوة، «والانحصار الفني» و «الإفلاس» العاطفي. وليس هذا الأمر بمجرد فرضٍ مني. ففي شعر الفرزدق ما يدل أنه هو أيضًا كان ينقم من طبقة الراعي وذي الرمة تقليدهم الشديد لشعر البداوة القديم. وقد ذكروا أنه لما سمع ذا الرمة ينشد حائيته في صيدح قال له:
وداوية لو ذو الرميم يرومها ... بصيدح أودى ذو الرميم وصيدح
قطعت إلى معروفها منكراتها ... وقد خب آل الأمعز المتوضح
ولم يقصد الفرزدق بهذين البيتين إلى هجاء ذي الرمة في شخصه، وإنما عنى أن مثل كلام ذي الرمة في الصحراء، نوع من التقليد الذي لا يعجز عنه أحدٌ ممن يستقيم له الوزن إذ ليس أكثر من أن يذكر الآل المتوضح، ومعروفات الصحراء ومنكراتها كما كان يفعل الأوائل.
فهذا هذا. ثم نرجع إلى ما كنا فيه من الاختيار. قال جرير:
يرى المتعيدون علي دوني ... أسود خفية الغلب الرقابا (١)