وكم كان شوقي يود لو يشمها ويمسها. وإذن لقال فيها غير ما قال جرير في نساء الراعي:«تطلّي وهي سيئة المعرّي» البيت- ومما يمثل روح شوقي خير تمثيل قوله في هذه القصيدة يخاطب ماء كوك صو، ويوازن بينه وبين النيل:
وكان النيل يُعرس كل عامٍ ... وأنت على المدى فرح وعرس
وقد زعموه للغادات رمسًا ... وأنت لهمهن الدهر رمس
وردنك كوثرًا وسفرن حورًا ... وهل بالحور إن أسفرن بأس
كلا ورب الكعبة. ولا يفتك أن هذه الأبيات قد قيلت في زمن كان السفور فيه منفورًا عنه في بلاد الإسلام لم تقدم عليه إلا تركيا.
هذا ولشوقي في الوافر -سوى ما أجاد فيه- أوابد مضحكات لا بأس بذكر واحدة منها، ومن شرف المرء أن تعد معايبه، وهي قوله:
وكل مسافر سيئوب يومًا ... إذا رُزق السلامة والإيابا
ولا أكاد أفهم للإياب هنا معنى إلا أن يكون أراد الشاعر «تذكرة الإياب» - وشوقي كثيرًا ما يُسف حين يطلب الحكمة وضرب الأمثال.
ولحافظ وافريات أشهرها «بنات الشعر بالنفحات جودي»، وهي كلمة شعبية يغلب على أسلوبها اللين والضعف. ومما يحيرني أن حافظًا على سعة اطلاعه لم يكن يحسن الأداء في النظم. وكثيرًا ما أعجب كيف لم يفطن لذلك من نفسه فيقلع عن صناعة الشعر. وقاتل الله أبا تمام إذ يقول:
ويُسيء بالإحسان ظنًا لاكمن ... هو بابنه وبشعره مفتون