للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحيته مني وإن كان نائيًا ... وأمسى ترابًا فوقه الريح بلقعا

ألا تجدك وأنت تقرأ كلام متمم هذا لا تكاد تحس له بوزن، وإنما تشعر بمعناه ولفظه يلجأن إلى قلبك ولوجًا. وما ذلك لأن الشاعر قد أغفل ناحية الموسيقا في نظمه، كلا، ولا لأن البحر نفسه فاتر الموسيقا، فلهذه الأبيات رنةٌ موسيقية قوية. غير أنها مع قوتها كالمنزوية وراء كلام الشاعر ومعاني ألفاظه، لا تزاحمها بالجلبة والطنة إلى سمعك كما تفعل رنة الكامل ورنة الوافر.

وإذ قرأت أبيات متمم، فانظر في أبيات متمم، فانظر في أبيات أوس بن حجر هذه (١):

أيتها النفس أجملي جزعًا ... إن الذي تحذرين قد وقعا

إن الذي جمع السماحة والنـ ... جدة والحلم والقوى جمعا

الألمعي الذي يظن بك الظنـ ... ـن كأن قد رأى وقد سمعا

والمخلف المتلف المرزأ لم ... يمتع بضعفٍ ولم يمت طبعا (٢)

والحافظ الناس في تحوط إذا ... لم يرسلوا تحت عائذٍ ربعا (٣)

وعزت الشمال الرياح إذا ... بات كمي الفتاة ملتفعا (٤)

وشبه الهيدب العباب من الـ ... أقوام سقبا ملبسا فرعا (٥)

وكانت الكاعب المخبأة الـ ... حسناء في زااد أهلها سبعا


(١) القصيدة مفضلية وقالها أوس في رثاء فضالة الأسدي، وهي مشهورة.
(٢) الطبع: شدة الطمع.
(٣) العائذ: الحديثة النتاج. والربع: الصغير من الإبل، المولود في الربيع. وتحوط: اس للسنة الجائرة المجدية، وتسمى قحوط وبها يروى البيت، وهو عندي شاهد من شواهد التصحيف القديم في الكتابة، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله.
(٤) إذا عزت الشمال الرياح: أي غلبتها، فهو الشتاء لا محالة. وكميع الفتاة: ضجيعها.
(٥) الهيدب العبام: الضخم الأبله من الرجال. يقول: نرى مثل هذا الشخص قد لف نفسه في الثياب واشتمل شملة قبيحة حتى بدا كأنه سقب: أي جمل صغير قد وضع عليه فرع -وهو الجمل الصغير الذي ذبح- كيما ترأمه أم ذلك الفرع فتدر اللبن. واستغنى بفرع عن ذكر الجلد.

<<  <  ج: ص:  >  >>