فقس أبيات أوسٍ هذه إلى جنب أبيات متمم وهي من المنسرح، تجد أن نغمها شديد الوضوح، ظاهر الجلبة، لا ينزوي وراء كلام الشاعر، وإنما يسارع إلى السمع معه. وكأن قصيدة أوس هذه كان أريد منها النوح والتعداد قبل كل شيء. ولا تكاد تحس فيها من العمق ما تحسه في كلام متمم. فكلام متمم مع هدوئه يجرح في أعماق القلب، ويكاد يلذعك منه حر الزفرات والأنات. ولكن كلام أوس مع ما فيه من التفجع لا يبلغ ذلك المبلغ.
ولا تقل لي إن هذا الاختلاف منشؤه اختلاف المعاني والأغراض، وليس ناشئًا من اختلاف بين جوهري الطويل والمنسرح. فلست أدفع أن الشاعرين قد اختلفت أغراضهما وإنما أزعم أن ذلك الغرض الذي أراده متمم ما كان ليظهر إلا في الطويل. وإن الغرض الذي أراده أوس لا يستقيم على الطويل البتة لما فيه من قصد النياحة والتعداد وإظهار اللوعة لا إخفائها، وهي متمكنة فاضحة، كما تجد عند متمم.
ولا أوضح في البرهان على هذا الزعم من أحيلك على ما ذكرته من رثاء لبيد لأربد أخيه في المنسرح، ورثائه له في الكامل، ورثائه له في الطويل، فقد سبق أن ذكرت لك أن مرثيته المنسرحية:
أخشى على أربد الحتوف ولا ... أرهب نوء السماك والأسد