نائحة ظاهرة النياحة، وهي تجري من هذا الوجه مجرى عينية أوس، وإن كان النوح فيها أصدق وأحر. ومرثيته الكاملية:
طرب الفؤاد وليته لم يطرب ... وعناه ذكرى خلة لم تصقب
صلبة عنيفة، وهي تفارق من هذه الناحية، مذهب النوح وتسلك مسلك المرارة وإظهار الجزع. وتشبهها في هذه الناحية مرثية أبي ذؤيب:
أمن المنون وريبها تتفجع ... والدهر ليس بمعتبٍ من يجزع
إلى قوله:
وتجلُّدي للشامتين أُريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع
غير أن مرثية أبي ذؤيب تنتهج بعد ذلك منهجًا فاترًا لا روح فيه. وقد سبق الكلام على ذلك في عرض الحديث عن البحر الكامل.
أما عينية لبيد الطويلة:
بلينا وما تبلى النجوم الطوالع ... وتبقى الجبال بعدنا والمصانع
فهي أدخل في باب الرثاء المحض والحزن العميق من كلتا المرثيتين الدالية والبائية. وترى الشاعر فيها يحاول أن يخفي لوعته وجزعه، ويأبي ذلك إلا أن يتضح من أثناء تأملاته البعيدة الغور. ولا تكاد تحس لوزنها إلا انسجامه مع اللفظ والمعاني في لطف وخفاء وهو بذلك يكسب الأداء جلالة وتؤدة تلائم مقام الأسف على فقدان الأخ المرموق.
ألا ترى إلى شاعرٍ واحدٍ وهو لبيد كيف نوع أوزانه حين اختلفت أغراضه، واختار الطويل لأسماها وأرفعها جميعًا وأقيمها من الناحية الفنية وأبلغها في التأثير.