للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سقوني الخمر ثم تكتفوني ... عبداة الله من كذبٍ وزور

والأمثال على ذلك أكثر من أن تحصى. وليكاد المرء يجزم أن الشعر القصصي الذي ينسب إلى الجاهلية ثم يتوفر فيه التفصيل وحبك القصة حبكًا تامًا، لابد أن يكون منتحلاً، مثال ذلك الكلمة المنسوبة إلى الحطيئة:

وطاوى ثلاثٍ عاصب البطن مرملٍ ... ببيداء لم يعرف بها ساكنٌ رسما

ولكأن العرب كانت تروي أخبارها منثورة، ثم تذكر بعد ذلك أقوال الشعراء لتثبتها وتقررها وتدونها -فمعرفة القصة تفترض أولاً، ثم يأتي الشعر عليها كالتعليق- وهكذا طبيعة الشعر العربي الجيد كما وصفها أبو عبادة البحتري فأحسن:

والشعر لمحٌ تكفي إشارته ... وليس بالهذر طولت خطبه

وكما قال عبد الله بن المعتز:

إن ذا الشعر فيه ضيق نطاقٍ ... ليس كل الكلام بما شاء قالا

يُكتفى فيه بالخفي من الوحي ... ويحتال قائلوه احتيالا

وهذه الطريقة العربية القديمة أثرها واضحٌ في كتب الإخباريين الإسلاميين وربما كان أثرها عظيمًا في تشجيع المنتحلين على الانتحال ليستدلوا به على صدق أخبارهم.

هذا ولما كان البحر الطويل رحيب الصدر، طويل النفس فإن العرب قد وجدت فيه مجالاً أوسع للتفصيل (في داخل نطاق التلميح والإشارة) مما كانت تجد في غيره من الأوزان. ولهذا فقد كان أصلح من غيره لتسجيل الأخبار والأساطير. وربما اتفق لشاعر فيه أن يذكر أهم معالم القصة كما اتفق لقيس بن العيزارة الهذلي (ديوان

<<  <  ج: ص:  >  >>