محبوبته. وهذا عامر بن الطفيل يشبب بأسماء الفزارية، وهذا الحارث بن حلزة يُسكن حبيبته الخلصاء في ديار بني تميم حيث يقول:
بعد عهدٍ لنا ببرقة شما ... ء فأدنى ديارها الخلصاء
ولم يكن بين تميم وبكر إلا السيف.
وقد وهم الدكتور طه حسين في حديث الأربعاء شيئًا، فحسب أن التشبيب بنساء الأعداء أمرٌ ابتدعه شعراء المسلمين، وسماه الغزل الهجائي؛ وقال في أثناء الحديث عنه إنه فنٌّ «شديد الخطر» على الناقد من حيث إنه «يلبس عليك أمر الشاعر، ويجعل حكمك على عاطفته عسيرًا جدًا. فأنت لا تكاد تتبين اجاد هو في غزله أم لاعب، أمادح هو صاحبته لأنه يحبها أم لأنه يكره أهلها. وأنت مضطر أن تنظر إلى هذا الغزل من حيث هو فنّ مجرد من النفسية الصادقة للشاعر ومن عواطفه الحقيقية»(حديث الأربعاء ١: ٢٤٧). وأشهد لقد نزل الدكتور طه حسين هنا على حكم المنطق والفكر بحسب مقدمات القضايا التي أوردها، مع أنه كان يحس بذوقه وسلامة طبعه صدق العاطفة في كثير من هذا الشعر المتغزل فيه بنساء الأعداء، ويدلك على ذلك اعترافه بأنه «مضطر إلى أن يُنظر إلى هذا الغزل إلى آخر ما قاله».
وأحسب أن الدكتور طه لو كان تنبه إلى أن هذا المنهج من التغزل في نساء الأعداء ليس بإسلامي الأصل، وأنه جاهليّ موغلٌ في القدم، وثيق الصلة بتراث العرب وحضارتهم، ما كان حكم عليه بأنه فرنٌ مجرد صفر من العاطفة. وكيف يكون خاليًا من العاطفة ما يستمد أصله من جوهر حياة الناس وأسها. ولا شك أن شأن السر في تغزل العرب بناء أعدائهم هو أنهم كانوا يرون هؤلاء النساء في المرابع والمراتع، فيقعن من قلوبهم، ثم يعزمون بعد تفرق الأحياء على الغارة ليستبوهن ويستصفوهن لأنفسهم، وهذا يوضحه نحو قول عنترة: