للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرضى بني الربداء واعتم زهوه ... وأكمامه حتى إذا ما تصهرا (١)

والتمر الجيد اللحيم يصفر أول أمره أو يحمر، ثم يصير منصفًا ومجزعًا ثم يشمله اللين ويتهصر وحينئذٍ يحين قطاعه:

أطافت به جيلان عند قطاعه ... تردد فيه العين حتى تحيرا (٢)

فهذه صورة تامة للنخل في الواحات المخصبة، لو رسمها لك فنان بألوان الزيت ما عد ما ذكره امرؤ القيس، ولما يتركه امرؤ القيس لخيالك من سبح، أروع بكثير مما يرقمه لك الفنان بريشته.

وأخذ امرؤ القيس بعد هذا في صفة وادي الساجوم وقد تتابعت فيه الظعن، وعليهن الرقم والهوادج الموشاة.

كأن دُمى سقفٍ على ظهر مرمرٍ ... كسا مزبد الساجوم وشيا مصورا

وأحسب أن امرأ القيس يشير هنا إلى الدمى التي كان رآها بكنائس الشام وأديرته. وقد أحسن كل الإحسان في قوله «مزبد الساجوم» إذ هذا ينقل إليك صورة الوادي وقد طما عليه السراب، والأحداج تطفو فيه وتغرق، وكأنهن الصور على سقف المرمر لما ينسجمن في هيئة زخرفية مع أكناف الوادي وعساقيله.

غرائر في كن وصونٍ ونعمةٍ ... يحلين ياقوتًا وشذرًا مفقرا

وريح سنا في حقةٍ حميريةٍ ... تخص بمفروكٍ من المسك أذفرا

وبانًا وألويًا من الهند ذاكيًا ... ورندًا ولبني والكباء المقترا

فهذا وصف لا يصدر مثله إلا عن ملك أو ربيب نعمة. وبأمثاله تدرك ما كانت


(١) الزهو: هو البسر.
(٢) وجيلان: هم جباة كسرى، يرسلهم عامل المشقر ليعشروا ثمار تميم والقبائل البحرانية ومن باليمامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>