للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تشتملها من أولها إلى آخرها. وغزلها على ما فيه من رقة، بين فيه عنصر العُمق والتأمل (١).

هذا ومذهب ابن أبي ربيعة في الغزل يشابه مذهب امرئ القيس من ناحية واحدة، وهي القصص، ويخالفه من عدة نواح: منها أن ابن أبي ربيعة كان محببًا لدى النساء، محبًا لهن، فارغًا للهو وتقري الجمال كل الفراغ، وكان شعره رُقى يرقيهن بها، ولطائف يتلطف بإهدائها إليهن، ولم تكن سبيله في وصف الغراميات سبيل امرئ القيس من إحياء الذكريات- نعم قد كان أكثر شعره استعراضًا لحوادث مضت، ولكنه كان يُراد به التسجيل والإمتاع. والقصص لذاته لا استثارة ماض من لهو حدث أو متوهم وإسباغ ثوب من سحر الذكرى وأسى الحنين وتحرق الحرمان عليه، وذلك ما يفعله امرؤ القيس. وبحسبك أن تقرأ لابن أبي ربيعة قوله (٢):

فلما فقدت الصوت منهم وأطفئت ... مصابيح شبت بالعشاء وأنؤر

وغاب قُمير كنت أرجو غيوبه ... وروح رُعيان ونوم سمر

ونفضت عني العين أقبلت مشية الـ ... ـحباب ورُكني خيفة القوم أزور

فحييت إذ فاجأتها فتولهت ... وكادت بمكنون التحية تجهر

وقالت وعضت بالبنان فضحتني ... وأنت امرؤ ميسور أمرك أعسر

أريتك إذ هنا عليك ألم تخف ... رقيبًا وحولي من عدوك حُضر

فوالله ما أدري أتعجيل حاجة ... سرت بك أم قد نام من كنت تحذر

وفي هذا البيت مما يعجب النحويين رد ضمير المؤنث في قوله «سرت بك» إلى المذكر «تعجيل» لإضافته إلى «حاجة» وهي مؤنث. وقد ذكر سيبويه هذا الضرب


(١) هي جيدة ولكن المعلقة أجود بعد التأمل والله أعلم.
(٢) الكامل ١: ٣٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>