للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الكلام في أوائل كتابه وأشار إلى ما لا يحسن منه. ومثاله في قبح ذلك «جاءت عبد أمك».

وإذا شئت ألا تتابع النحويين على زيفهم جعلت «سرت بك» صفة للحاجة واستمررت في القصيدة:

فقلت لها بل قادني الشوق والهوى ... إليك وما عين من الناس تنظر

ولعل هذا الكلام يبدو لك شديد الشبه بمقالة امرئ القيس. ولكن ثم فرقًا دقيقًا آمل أن تكون تنبهت له، وهو أن امرأ القيس ادعى لحبيبته كذبًا أن الناس قد ناموا وذلك قوله «حلفت لها بالله حلفة فاجر» - وفي ذلك حرص شديد على أن يستخر لك باستمتاعه ولذته. ومثل هذا الحرص لا تكاد تطمئن إليه النفس إلا وهي محجمة. أما ابن أبي ربيعة، فقد أعلمك بدءًا أن الناس قد ناموا، وأن الليل قد هدأ وهجع، فصار احتجاج الفتاة على الشاعر نوعًا من الدلال واصطناع الجزع، بينما هو في حالة امرئ القيس حقيقة لم تكن الفتاة لتطمئن إلى لذة وهي عالمة بها. ومن هنا ترى أن المتعة التي يصفها لك ابن أبي ربيعة صافية لا يشوبها كدر، بينما التي يصفها امرؤ القيس محفوفة بالمكاره، ليس أقلها خوف الفتاة واضطرابها.

فيا لك من ليل تقاصر طوله ... وما كان ليلي قبل ذلك يقصر

وهذا الإجمال عندي أصدق في وصف الاستمتاع من تفصيل امرئ القيس:

ويا لك من ملهى هناك ومجلس ... لنا لم يُكدره علينا مكدر

وعجز هذا البيت قد أصاب فيه كبد ما كنا بصدده من الموازنة.

يُمج ذكي المسك منها مُفلج ... رقيق الحواشي ذو غروب مُؤشر

يرف إذا يُفتر عنه كأنه ... حصى برد أو أقحوان منور

<<  <  ج: ص:  >  >>