للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما أجزنا ساحة الحي قلن لي ... ألم تتق الأعداء والليل مُقمر

وقُلن أهذا دأيك الدهر سادرًا ... أما تستحي أو ترعوي أو تُفكر

وهذا كلام يكتفي بنفسه عن الشرح والتعليق. ولعلك تقول: أليس أولى بهذا الكلام أن لو كان جاء به صاحبه في غير الطويل، لخلوه مما كنت ذكرته من الجد، وهذا لهو كله. وجوابي على ذلك أن هذا الكلام على عبثه جاد. وقد كان ابن أبي ربيعة رجل هوى وغرام. وله في تصوير غرامه مذاهب. فمن ذلك أن يورده على سبيل التظرف والملح، وعندئذ يختار له القصار من البحور. ومن ذلك أن يشيد به، ويفخمه، ويظهره مظهر الجليل من الأعمال، ويحتفل له احتفال زهير لصلح عبس وذبيان. وعندئذ يعمد إلى الطويل، ويتخير له ما يلائمه من جزالة اللفظ ورصانته، وهذا ما فعله في الرائية التي اخترنا منها ما اخترناه، وما فعله في عينيته:

ألم تسأل الأطلال والمُتربعا ... ببطن حُليات دوارس بلقعا

وفي هذه العينية من الاحتفال للغزل ومواعد الغرام ما لا تكاد تجده في شعر آخر. ومذهب الشاعر بعد في كلا القصيدتين العينية والرائية، مذهب «ارستقراطية» وعز وخفض، وكذلك مذهبه في اللامية:

جرى ناصح بالود بيني وبينها ... فقربني يوم الحصاب إلى قتلي (١)


(١) هذه القصيدة من جيد شعر عمر (انظر ديوانه، تحقيق الأستاذ محمد محيي الدين، مصر ١٩٥٢ ص ٣٣٦) وفيها بيت مشكل هو قوله:
فطارت بحد من فؤادي ونازعت ... قريبتها حبل الصفاء إلى حبلي
هكذا روايته في دواوينه المطبوعة، وبعضها يروي (قارنت) مكان (نازعت). وفسر الأستاذ محمد محي الدين (قريبتها) بأنها مؤنث (قريب) أي إحدى قريباتها. وهذا كله وهم وتصحيف في الرواية على الأرجح والصواب ما رواه أبو عبيد البكري في شرح الأمالي: وملخص شرحه له: الحد: هو الغرب، وهو الطرف، والعرب تطلق الجزء على الكل. فطارت بحد من فؤادي- طارت بفؤادي. ونازعت قرينتها بالنون، أي نازعت نفسها، فنفسها تلين لها وتوزعها بالوصل والعطف، وعزمها يأمرها بخلاف ذلك. وقوله «حبل الصفاء» عنى به «في شأن ربط حبل الصفاء ونوطه بي».

<<  <  ج: ص:  >  >>