وكل هذه الطويليات التي ذكرتها تباين مذهب ابن أبي ربيعة في قصائده التي من البحور القصار، إذ هذه الطوال تنضح باللذة والمتعة والانتشاء: إنما هي رُقى كان يخادع بها النساء. والمزح المحض والشيطنة أغلب وأظهر فيها من حاق القصص. وقد أساء ابن أبي ربيعة في اختياره الطويل لكلمته:
وناهدة الثديين قلت لها اتكي ... على الرمل من جبانة لم تُوسد
فقالت على اسم الله أمرك طاعة ... وإن كنت قد كُلفت ما لم أعود
فلما دنا الإصباح قالت فضحتني ... فقم غير مطرود وإن شئت فازدد
فهذا كلام خال من رونق القصص، واتساع الخيال، كما أنه منحو فيه منحى العبث والسطحية. ولعل عمر لم يقله إلا قصد التظرف، ولعل ما يشير إليه به من حادثة لم يقع. ولو جاء بهذا الكلام في المنسرح لكان له وجه، ولكنه ناب جدًا عن الطويل. وفيه مع ذلك من سوء التأتي ما فيه، فقوله:«قلت لها اتكي» قبيح جدًا وقوله: «فقلت على اسم الله»، لا يناسب المقام، ويشعر بتبذلها. وعروة بن الورد يقول:
يعاف وصال ذات البذل قلبي ... ويتبع المُمنعة النوارا
وما لها تسمى الله كأنها مُقدمة على طعام؟ أم لعل ابن أبي ربيعة أراد أن يتفقه؟ فقد زعم الغزالي أن بعض الفقهاء كانوا يكبرون في مثل هذه المواقف حتى يسمع تكبيراتهم من في الدار من خدم وحشم.
ولو قد كان ابن أبي ربيعة سلك وزنًا خفيفًا كما فعل الأعشي في قوله: