للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدخلت إذ نام الرقيب فبت دون ثيابها

حتى إذا ما استرسلت من شدة للعابها

قسمتها قسمين كل مسود يُرمى بها

كالحقة الصفراء صاك عبيرها بملابها

لكان قد قارب.

ولعلك تقول: إنك لتلوم ابن أبي ربيعة على مذهب سلكه قبله سُحيم العبد في يانيته المشهورة:

عميرة ودع إن تجهزت غاديا ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيًا

وهذه كلمة طويلة فيها من الرفث ضروب وضروب، ومع ذلك فقد أجمع النقاد على استحسانها. فما بال الطويل قبلها وصلح لها، ولم يصلح لدالية عُمر وهي من نفس الطراز؟ ومثل هذا القول يُغفل جانبًا من يائية سُحيم، على غاية عظيمة من الأهمية وهو أن سُحيمًا كان لا يقصد إلى محض الغزل، وذكر الاستمتاع، وكان لا يقصد إلى الظرف والملح والعبث مثل ابن أبي ربيعة في خفافه، وفي نحو داليته التي قدمتها، وإنما كان ينحو منحى شبيهًا بامرئ القيس مع خلاف يسير، ووجه الشبه أن الشاعرين كانا لا يُهمهما غير أنفسهما، الأول من حيث إنه كان ملكًا يغتصب لذته ويفخر بها مع ضعف كان فيه بحسب ما ذكرناه، والثاني كان عبدًا حاقدًا على سادته، يُعد الظفر بالعقائل الحرائر مجدًا ونصرًا، ويبالغ في تصوير استمتاعه مدفوعًا بدافع خفي من طلب النكاية بمن سموه عبدًا. تأمل قوله:

ألكني إليها عمرك الله يا فتى ... بآية ما جاءت إلينا تهاديًا

فبتنا وسادانا إلى علجانة ... وحقف تهاداه الرياح تهاديا (١)

وهبت شمال آخر الليل قرة ... ولا ستر إلا ثوبها وردائيًا


(١) العلجانة: ضرب من الشجر. والخقف: قوز الرمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>