للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُفرجها فرج القباء وأتقي ... بها القطر والشفان من عن شماليًا (١)

هذه رواية أبي عبيد في شرح الأمالي:

تُوسدني كفًا وتثني بمعصم ... علي وتحنو رجلها من ورائيًا

ورواية الخزانة: «وتحوي رجلها».

فما زال ثوبي طيبًا من ثيابها ... إلى الحول حتى أنهج البرد باليًا

وقد زعموا أن عمر بن الخطاب لما سمع هذا الكلام قال لسحيم: «إنك مقتول» وكأنه غار منه. وقد كان آخر أمره كما تنبأ له عمر وإن كان في خبر مقتله اختلاف واضطراب. ولو نظرت في الأبيات التي قدمناها لك من يائيته أحسست فيها ما زعمناه في فخر ونار في الفؤاد منشؤها الشعور بالنقص. انظر إلى قوله: «أفرجها فرج القباء» ألا تجد فيه روحًا من التشفي؟ وقد يُعزز هذا لك أنه لما اقتيد ليقتل لقيته إحدى من كان بينه وبينهن أمور ثم فسدت مودتهما، فضحكت منه، فقال لها:

فإن تضحكي مني فيا رب ليلة ... تركتك فيها كالقباء المُفرج

وفي قوله: «وأتقي بها القطر والشفان» ما يُوضح لك روح التشفي الذي فيه تمام التوضيح، ولو كان حرًا سليم دواعي الصدر من طلب الانتقام من الأحرار بهتك نسائهم وفضيحتهن والفتك بهن، لكان قد قال: «وتتقي بي القر والشفان» ولجعل نفسه وقاية لها، ولم يفتخر باتخاذها حشية وغطاء، بل لكان قد أعرض عن مثل هذا القول، واكتفى بالتلميح من التصريح. وقل مثل ذلك في بيته: «تُوسدني كفًا إلخ»، فهذا قريب من قري (د. هـ. لورنس)، وفيه من الشر ما فيه.

ويمثل لك نفس الحسحاس أصدق تمثيل بيتان قالهما قبل أن يقتل:


(١) الشفان: الريح الباردة.

<<  <  ج: ص:  >  >>