شدوا وثاق العبد لا يغلبكم ... إن الحياة من الممات قريب
فقلد تحدر من جبين فتاتكم ... عرق على جنب الفراش وطيب
ولعل قوله:«وطيب» يغفر له كل ما في هذين البيتين من حقد دفين، ويُشعر بأن الرجل ما زالت فيه بقية صالحة من الخير، وأنه مع اتخاذه المتعة وسيلة للانتقام، فإنها كانت تجد جانبًا من صدره مفعمًا بالأريحية.
ويائيته من أجود الشعر لفظًا، وأنصعه معنى، وأدقه تصويرًا، وأفشاه بأسرار ما كانت تنطوي عليه نفسه، وإن نقم عليه الناقد أمثال قوله «وتتقي بي القطر» و «أفرجها» فإنه لا يملك إلا أن يُحس المدح لمثل قوله: «ألكني إليها عمرك الله يا فتى»، ولمثل قوله «فما زال بُردي طيبًا من ثيابها». ويعجبني جدًا قوله في اليائية:
وما أدري ما فضل دينار الأحبة على غيره، وإنما هو جنون الشعراء، ولعله عنى بدينار الأحبة، ذلك الذي يهبه له من يمقه من المُجدين، فقد كان الرجل أسيفًا لا يستنكف من العطاء، وكان شاعرًا ينتظر الجدوى، وكان في الناس من يعطف عليه لجودة شعره ورقة حاله:
فما بيضة بات الظليم يحفها ... ويرفع عنها جُؤجؤًا متجافيًا
ويجعلها بين الجناح ودفه ... ويُفرشها وحفا من الزف وافيًا
بأحسن منها يوم قالت أراحل ... مع الركب أم ثاو لدينا لياليا
ويعجبني قوله:
كأن الصبيريات يوم لقيننا ... ظباء حنت أعناقها للمكانس
وهن بنات القوم إن يشعروا بنا ... يكن في ثُبات القوم إحدى الدهارس