وكم قد شققنا من رداء مُنير ... على طفلة ممكورة غير عانس
إذا شق برد شق بالبرد مثله ... دواليك حتى كُلنا غير لابس
ومما رواه له صاحب الأغاني، وذكر أنه قُتل به:
وماشية مشي القطاة اتبعتها ... من الستر تخشى أهلها أن تكلما
فقالت صه يا ويح غيرك إنني ... سمعت حديثًا بينهم يقطر الدما
فنفضت ثوبيها ونظرت حولها ... ولم أخش هذا الليل أن يتصرما
أُعفي بآثار الثياب مبيتها ... وألقف رضًا من وقوف تحطما
وتلمح نشوة الظفر الذي تشوبه شوائب اللوم في قوله: «فنفضت ثوبيها»، ولا يملك حر ممن قيل في عقيلته أو كريمته مثل هذا إلا أن تأكل الغيرة قلبه.
هذا وللغزليين العذريين ومن بمجراهم مذهب آخر في الطويل غير مذهب عمر وامرئ القيس، وسُحيم، وهو أيضًا ملائم حق الملاءمة اللنغم المتلطف الرائث في تفعيلات هذا البحر، ومُفعم بمعاني الجد والعمق التي تصلح له، وذلك مذهب جميل في الدالية واللامية. وكلاهما من المأثور المعروف. (وفي اللامية بيت مشكل وهو قوله:
ثلاثة أبيات فيبت أحبه ... وبيتان ليسا من هواي ولا شكلي
وربما سقطت في الرواية أبيات قبله، ولم أستطع بعد أن أكشف عن خبيء معناه، ولا أدري ما كنه هذين البيتين اللذين كان ينفر منهما الشاعر).
ومذاهب الشعراء الأعفة قريب من مذهب جميل. وفيها جميعها غناء ينضح بالأسى من الحرمان. وهاك قول يزيد بن الطثرية (الحماسة):
عُقلية أما ملاث إزارها ... فدعص وأما خصرها فبتيل
تقيظ أكناف الحمى ويُظلها ... بنعمان من وادي الأراك مقيل
فياخلة النفس التي ليس دونها ... لنا من أخلاء الصفاء خليل