ويا من كتمنا حُبه لم يُطع به ... عدو ولم يؤمن عليه دخيل
فديتك أعدائي كثير وشقتي ... بعيد وأنصاري لديك قليل
وكنت إذا ما جئت جئت بعلة ... فأفنيت علاتي فكيف أقول
وكقول أبي حية النميري:
رمتني وستر الله بيني وبينها ... عشية آرام الكناس رميم
رميم التي قالت لجارات بيتها ... ضمنت لكم أن لا يزال يهيم
ألا رب يوم لو رمتني رميتها ... ولكني عهدي بالنضال قديم
فهذا كله كلام صاف ناصع. وأبو حية النميري أقوى وأحر وأفحل قولاً من يزيد. وأمثلة هذا الشعر كثيرة في ديوان الحماسة، وفيما اختاره صاحب لأغاني من كلام قيس بن ذريح. وكلام أبي حية خاصة من أجود ما جاء في هذا الباب وأصدقه لهجة، وأحلاه بداوة، وأنقاه من الشوائب.
وقد عقد الدكتور طه حسين للغزل العذري وما بمجراه فصولاً طوالاً في كتابه حديث الأربعاء، وأنصف شعراء الغزل، ونبه على محاسنهم بما لا مزيد عليه. غير أنه بخس كثير عزة شيئًا من حقه. لا بل كثيرًا من حقه. قال في آخر فصله عنه (حديث الأربعاء ١: ٢٨٥ - ٢٨٦): «أختم الحديث بهذه الأبيات التي تكاد تكون وحدها كل ما بقي من غزل كثير، وأنا أرى فيها من جودة اللفظ ورصانة الأسلوب شيئًا كثيرًا، ولكنها خالية خلوًا تامًا من صدق اللهجة وحرارة العاطفة:
خليلي هذا رسم عزة فاعقلا ... قلوصيكما ثم أبكيا حيث حلت
إلى آخر ما اختاره من القصيدة».
وما أحسب الدكتور طه حسين إلا قد وجد فيما اختاره من تائية كثير هذه،