وإن كانت التائية تشكو شيئًا من جفاف فاللامية لا تشكو شيئًا من ذلك. بل هي من أملأ الشعر بمعاني الغرام.
ولست بمنكر ما ذكره الدكتور طه حسين في مقدمات كلامه عن كثير عزة من أنه كان دميمًا، وأن عشقه لم يكن كعشق جميل، وأنه يكذب فيه كما ذكر الرواة ولكني أقول: إن هؤلاء الرواة لم يستندوا فيما زعموه من كذب كثير على استقراء شعره، وإنما اعتمدوا على الأخبار المنقولة. وهذه الأخبار المنقولة كانت تلقى بلا تأريخ ولا ضبط. فهم يقولون: كان كثير يكذب في حبه، ولا يذكرون إن كان ظهر هذا الكذب منه وهو شيخ، أو ظهر منه وهو شاب. ومن يدري فلعل هذه الأخبار التي يروونها عن كذب كثير تمثل أول مبدأ العلاقة بينه وبين عزة، فقد كان حينئذ راوية لجميل، ومتتلمذًا له، ومحاكيًا، شأنه في ذلك شأن أكثر التلاميذ. ولا يستبعد أن يكون كثير رغب في عزة طلبًا لأن تكون له صاحبة كما لأستاذه صاحبة، وكما للشعراء الآخرين صواحب. كما لا يُستبعد أن تكون عزة أيضًا قد كانت تتوق إلى أن يكون لها شاعر يشبب بها، ويذكر محاسنها، كما لبثينة وغيرها من المذكورات، شعراء يشببون بهن، والزهو في النساء، والتطلع إلى الشهرة، والرغبة في المدح، أمر شائع لا يحتاج إلى دليل. ومن يدري فربما كانت عزة هذه غير جميلة، وإنما كان لها وجه كسائر وجوه النساء، يذوي زهره إذا لفحته سمائم ما بعد العشرين من السنين؟
كل هذا جائز. وكله يوافق ما ذكره الرواة من أخبار كثير. ولكن ألا يجوز أيضًا أن يكون عزة مالت إلى كثير بعد أن شبب بها وأطنب وأجاد في مدحها، وأن يكون كثير أحس بميل إليها لما وجدها تستحسن ثناءه وتظهر له ارتياحًا كالشكر على ما قاله؟
وربما كانت التائية من أوائل ما تكلفه كثير في مدح عزة، وعلى هذا فلا غرابة أن نجدها كالخالية من الحرارة، ولكن فيها لونًا عاطفيًا خاصًا، هو فيما أزعم طلب