الزلفى والقربى. وقد تقول هذا هو التعليق بعينه، ولا أدفع ذلك، ولكني أزعم أنه كان تملقًا ذا باعث قوى من طموح كثير وزهوه، ورغبته في الظفر بما اشتهر به أستاذه من العشق.
وجواز أن تكون العلاقة بين كثير وعزة قد تطورت إلى حب أكيد ليس بافتراض بعيد. فالرغبة في الحب كثيرًا ما تولد الحب. وادعاء الغرام كثيرًا ما يعقبه الغرام. وقديمًا قالوا: لا تمارضوا فتمرضوا فتموتوا. والمدح مهما كان يُلين قلب الممدوح. وقد كان بشار يُدرك حقيقة ذلك حين قال:
عُسر النساء إلى مُياسرة ... والصعب يمكن بعدما جمحا
وقد بين أبو حامد الغزالي كيف يصير التكلف طبعًا خير تبيين في كتابه الإحياء، حينما تعرض للحديث عن علاج الحسد والبغضاء، وذلك حيث يقول، (والضمير موجه إلى الحاسد): «وأما العمل النافع فيه هو أن يحكم الحسد، فكل ما يتقاضاه الحسد من قول وفعل فينبغي أن يكلف نفسه نقيضه، فإن بعثه الحسد على القدح في محسوده، كلف لسانه المدح له والثناء عليه، وإن حمله على التكبر عليه، ألزم نفسه التواضع له والاعتذار إليه. وإن بعثه على كف الإنعام عليه، ألزم نفسه الزيادة والإنعام عليه. فمهما فعل ذلك عن تكلف وعرفه المحسود، طاب قلبه وأحبه. ومهما ظفر حبه، عاد الحاسد فأحبه، وتولد من ذلك الموافقة التي تقطع مادة الحسد، لأن التواضع والثناء والمدح وإظهار السرور بالنعمة يستجلب قلب المُنعم عليه ويسترقه ويستعطفه ويحمله على مقابلة ذلك بالإحسان. ثم ذلك الإحسان يعود إلى الأول فيطيب قلبه ويصير ما تكلفه أولاً طبعًا أخرًا. ولا يصدنه عن ذلك قول الشيطان له: لو تواضعت وأثنيت عليه، حملك العدو على العجز أو على النفاق أو الخوف، وأن ذلك مذلة ومهانة. وذلك من خدع الشيطان ومكايده. بل المجاملة تكلفًا كانت أو طبعًا تكسر سورة العداوة من الجانبين، وتُقل مرغوبها، وتُعود القلوب