للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التآلف، وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد وغم التباغض. فهذه أدوية الحسد، وهي نافعة جدًا، إلا أنها مرة على القلوب جدًا. ولكن النفع في الدواء المر. فمن لم يصبر على مرارة الدواء لم ينل حلاوة الشفاء. وإنما تهون مرارة هذا الدواء. أعني التواضع للأعداء، والتقرب إليهم بالمدح والثناء، بقوة العلم بالمعاني التي ذكرناها، وقوة الرغبة في ثواب الرضا بقضاء الله» (الإحياء طبعة لجنة نشر الثقافة الإسلامية مصر ١٣٥٧ هـ، ٩ - ١٤٩ - ١٥٠).

فالغزالي كما ترى يدعي أن تكلف الوداد يمحو الحسد والبغضاء، ويحل المقة والمحبة مكانهما، فكيف إذا كانت القلوب خالية من حسد وبغض، وكان دافعها في التكلف هو طلب الحسب ليس إلا. وقد تكلف كثير حب بني مروان رغبة في عطائهم فأخلص فيهم القول، فجزوه بما يستحقه من محبة وتقريب مع علمهم بتشيعه. ولا أحد في هذا الباب أصدق من قول كثير نفسه لعبد الملك بن مروان:

وما زالت رُقاك تسل ضغني ... وتُخرج من مكانها ضبابي

ويرقيني لك الراقون حتى ... أجابت حية تحت اللصاب

فهذا كلام صادق لا مرية في صدقه. وليس بغريب أن يكون نحو منه جرى بين الشاعر وصاحبته عزة، اللهم إلا أن تحتج بأن كثيرًا كان أشد رغبة في المال، وفي رضا الخلفاء منه في العشق والنساء. ومهما أصبت في هذه الحجة فلن تستطيع نفي الرجولة عن كثير بحال من الأحوال، ولن تستطيع أن تنفي أن الرجال مهما اختلفوا فإن أفئدتهم لن تخلو من نزاع إلى النساء.

ولامية كثير كما قدمنا من أملأ الشعر بمعاني الغرام. وفيها من صدق العاطفة ما لا يمكن دفعه. وأسلوبها فيه طابع كثير من طلب التجويد وإعمال الفكر. وحق له أن

<<  <  ج: ص:  >  >>