للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوم هم الجذم والأحساب تجمعكم ... والمجد والدين والأرحام والبلد (١)

إذا قريش أرادوا شد مُلكهم ... بغير قحطان لم يبرح به أود (٢)

قد وتر الناس طُرأ ثم قد سكنوا ... حتى كأن الذي نيلوا به رشد

هذه قصيدة المهلبي. ومعانيها فيها مشابه من معاني رائية البحتري، إلا أن المهلبي كما ترى أعنف مسلكًا، وعاطفته أشد استعارًا. استهل كلامه ببيت مصرع ذكر فيه حُزنه الشخص على المتوكل. وكأنما جاء به تمهيدًا للكلام. ثم انتقل بالسامع فجاءة إلى هول النكبة، فشبه هوي المتوكل بهوي الأسد يسقط من غطاء الزبية، ثم أردف هذا التشبيه القوي بقوله: «لا يدفع الناس ضيما» البيت. وهو بيت على إيجاز لفظه، يحمل معاني عظيمة لم ينتبه لها البحتري في رائيته. ولما فرغ المهلبي في ثلاثة أبيات من تصوير حزنه وتصوير فظاعة المقتل وهوله، والتنبيه على عواقبه الوخيمة، أخذ بعد ذلك يفصل؛ فانتقل إلى موضوع القدر، وكيف أنه أعان المتآمرين بإسدال ستر الكتمان على نواياهم، وكيف أنه خذل المتوكل بجعل قتلته غيلة لا مجاهرة في الحرب والمعاني التي تناولها المهلبي في التعبير عن فعل القدر هي نفس التي تناولها البحتري مع فارق واحد: هو أن البحتري التزم جانب التسليم بالقضاء، والتفكر عبر الدهر والتحسر على إن كان ما قد كان، ولم يكن غيره من حضور وزير أو معين، أو وفرة سلاح يمكن به دفع القتلة. أما المهلبي فوقف من القدر موقف الساخط المحنق، إذ أنه جرد المتوكل من الأنصار، وجعل منيته بأيدي سفلة من الناس، ليس دونهم من أحد؛ وقد عدوا على حُرمة من ليس فوقه إلا الواحد الصمد. ثم لم يقف بالسخط على القدر عند هذا الحد؛ فتجاوزه إلى السخط المحنق، إذ أنه جرد المتوكل من الأنصار، وجعل منيته بأيدي سفلة من الناس، ليس دونهم من أحد؛ وقد عدوا على حُرمة من ليس فوقه إلا الواحد الصمد. ثم لم يقف بالسخط على القدر عند هذا الحد؛ فتجاوزه إلى السخط على القتلة أنفسهم، لأنهم ما ارتكبوا مجرد جريمة قتل، وإنما اجترءوا على الأمير الكبير، والرمز الأعلى للإسلام،


(١) الجذم: بكسر الجيم، الأصل.
(٢) أود: اعوجاج.

<<  <  ج: ص:  >  >>