للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن تأمل شعر المتنبي، وجد أعنف ما قاله في البسيط؛ سواء أكان ذلك في شكوى الدهر نحو قوله:

هون على بصر ما شق منظره ... فإنما يقظات العين كالحلم

ولا تشك إلى خلق فتشمته ... شكوى الجريح إلى العقبان والرخم

وكن على حذر للناس تكنمه ... ولا يغرنك منهم ثغر مبتسم

غاض الوفاء فما تلقاه في عدة ... وأعوز الصدق في الإخبار والقسم

سبحان خالق نفسي كيف لذتها ... فيما النفوس تراه غاية الألم

الدهر يعجب من حملي نوائبه ... وصبر نفسي على أحداثه الحطم

وقت يمر وعمر ليت مدته ... في غير أمته من سالف الأمم

أتى الزمان بنوه في شبيبته ... فسرهم وأتيناه على الهرم

أم كان ذلك في ذكرى من تنكر عليه من أولي النعمة، كما في قصيدته:

بم التعلل لا أهل ولا وطن ... ولا نديم ولا كأس ولا سكن؟

وقد جاء في هذه النونية أبيات من أمر ما صور به الشعراء ما يُحدثه التهاجر والتقاطع في القلوب، وذلك قوله يذكر ما نُمي إليه من أنه كان قد نُعي بمجلس سيف الدولة وشمت بعض الناس بذلك، ولم يكن لدى سيف الدولة من نكير:

يا من نُعيت على بُعد بمجلسه ... كل بما زعم الناعون مُرتهن

كم قد قتلت وكم قد مت عندكم ... ثم انتفضت فزال القبر والكفن

قد كان شاهد دفني قبل قولهم ... جماعة ثم ماتوا قبل من دفنوا

ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

رأيتكم لا يصون العرض جاركم ... ولا يدر على مرعاكم اللبن

جزاء كل قريب منكم ملل ... وحظ كل مُحب منكم ضغن

<<  <  ج: ص:  >  >>