للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأفحل الذين تعاطوا هذا البحر من شعراء العصر المتقدمين هو محمود سامي البارودي، بلا أدنى ريب، وله فيه روائع خالدة، أذكر منها على سبيل المثال قوله (١):

يا حبذا جرعة من ماء محنية ... وضجعة فوق برد الرمل بالقاع

يا هل أراني بذاك الحي مُجتمعًا ... بأهل ودي من قومي وأشياعي\

منازل كنت فيها في بُلهنية ... ممتعًا بين غلماني وأشياعي

إذا أشرت لهم في حاجة بدروا ... قضاءها قبل أن يرتد إلماعي

يخشى البليغ لساني قبل بادرتي ... ويُوعد الجيش باسمي قبل إيقاعي

فاليوم أصبحت لا سهمي بذي صرد ... إذا رميت ولا سيفي بقطاع

أبيت في قُنة قنواء قد بلغت ... هام السماك وفاتته بأبواع

يستقبل المزن ليتيها بوابله ... وتصدم الريح جنبيها بزعزاع (٢)

يظل شمراخها يبسًا وأسفلها ... مكللاً بالندى يرعى به الراعي

تكاد تُلمس فيها الشمس دانية ... وتحبس البدر عن سير وإقلاع

أظل فيها غريب الدار مُبتئسًا ... نابي المضاجع من هم وأوجاع

لا في سرنديب خل أستعين به ... على الهموم إذا هاجت ولا راعي

يظنني من يراني ضاحكًا جذلاً ... أني خلي وهمي بين أضلاعي

لكنني مالك حزمي ومنتظر ... أمرًا من الله يشفي برح أوجاعي

فإن في مصر إخوانًا يسرهم ... قربي ويعجبهم نظمي وإبداعي

فهذا كلام حر فحل جزل، ومثله عزيز نادر، وقد كان شعر الباردوي رحمه الله كله من هذا القري.


(١) ديوانه- دار الكتب ١٩٤٢، ٢: ٢٨٥.
(٢) الليت: صفحة العنق، وعنى به جانبي الهضبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>