للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا، ولم تجيء في الشعر العصري قصيدة من هذا النفس العالي بعد موت البارودي إلا أشياء نادرة، منها رائية المرحوم فؤاد بليبل التي في أول ديوانه، ومسلك الجزالة فيها بين، وإن كان لا يبلغ هذا المبلغ (١).

ومنها أيضًا بائية الشيخ حمزة فتح الله: «حمد السرى يا أخي العود والناب» (٢) وهي قوية رصينة يغلب عليها مذهب العلماء. وقد وصف فيها الشيخ حمزة رحلته إلى نروج وجاء فيها بكثير من الغريب، ولكنه مع ذلك كان بين الصدق، وحار العاطفة. وأحسب إيراده للغريب فيها هو في ذاته نوع من الصدق، لأن الرجل قد كان محبًا للغة العرب كلفًا بأوابدها. وقد وفق جدًا في نعت السفر، والقصيدة في جملتها ناصعة خالية من تلفيق الألفاظ ورصها من غير ما ذوق.

وتجري مجرى قصيدة الشيخ حمزة هذه نونية للشيخ الطيب السراج [من علماء السودان] مدح بها الإمام يحيى عاهل اليمن رحمه الله، وتعرض فيها لصفة البحر وقد أنشدني الأخ الفاضل الأديب الدكتور محمد الحسن أبو بكر طرفًا منها، فعلق منه بذاكرتي قوله:

يأيها الملك المرجو نائله ... والمستغاث به في مُخلف المُزن (٣)

إليك جئت من السودان ترفعني ... إلى لقائك أشواقي وتخفضني

مهاجرًا من بلاد الشرك ليس لنا ... عنها مراغمة إلا إلى اليمن

أهل المصانع من غُمدان تحسبه ... إذا دجا الليل سح العارض الهتن (٤)


(١) ليس لدي ديوانه فأنشد منها طرفًا.
(٢) في المواهب الفتحية، ومكتبتي صفر منه، ولم يعلق بالذاكرة منها شيء.
(٣) يعني في عام ما حل.
(٤) غمدان: من قصور اليمن، شبه سواده في الليل بإنهمال المطر. وقوله ترفعني وتخفضي في البيت الثاني يشير إلى أنه ركب البحر.

<<  <  ج: ص:  >  >>