شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هز القناة سقاها
سقاها فرواها بشرب سجاله ... دماء رجال حيث مال حشاها
إذا سمع الحجاج رز كتيبة ... أعد لها قبل النزول قراها
اعد لها مسمومة فارسية ... بأيدي رجال يحلبون صراها
فأنت ترى هنا إعادة "شفاها""سقاها" و"اعد" وكلهن من الشطر الثاني وشفاها، وسقاها قافيتان. ولا شك أن هذا النوع من التكرار إنما هو سؤر قد بقى من نظام إعادة البيت كاملا، على النحو الذي أحياه في عصرنا الحديث، أحمد شوقي، والمهندس وبعض المعاصرين (وان كان هؤلاء قد نظروا إلى الإفرنج).
ولعل أدل على القصد وأصدق في التمثيل من هذه الأمثلة التي أوردناها من شعر تأبط شرا وليلى، ما جاءت فيه الصدور مكررة في عدة أبيات من الشعر القديم.
مثال ذلك لامية الحارث اليشكري التي كرر فيه قوله:
قربا مربط النعامة مني
وقوله: يا بجير الخيرات لا صلح حتى
عدة مرات. ولعلة أن يقال: إن هذا التكرار من تزيد الرواة. ومع التسليم بذلك، فهو يدل على نهج من القول كان مألوفا في القصص المخلوط بالشعر. وقد روي أبو علي القالي رائية المهلهل (١):
أليلتنا بذي حسم أنيري ... إذا أنت انقضيت فلا تحوري
(١) نفسه ٢: ١٣١ - ١٣٥. قال أبو علي القالي: ذو حسم: موضع. وتحوري: ترجعي، يقال ماله لا حار إلى أهله: أي لا رجع إليهم. قلت: إجمال المعنى أنه يشكو طول ليلته المظلمة، ويأمرها بأن تنير بأن يطلع الفجر ويشرق الصبح، ويبالغ في الأمر فيطالبها ألا تحور ولا ترجع إذا ما انقضت.