ثم إنك تجد هذا الترصيع المجاري للوزن إنما هو جزء من تكرارٍ طويل ليس مجاريًا للوزن، هكذا:
فلم يخل من نصرٍ له من له
فعولن مفاعيلن فعل فع فعل
فلم يخل من شكر له من له
فعولن مفاعيلن فعل فع فعل
فهذا التباين بين مجاراة الترصيع للوزن، ومعارضة التكرار له، ذو أثر قوي في ريادة الرنين وتنويعه. وإذا تأملت البيت الثاني، وجدت أن الشاعر قد اكتفى بتكرار "ولم يخل من" وحدها، واستغنى عن الترصيع في صدره؛ وكأنه قصد إلى أن يهبط بموسيقا شعره عن حالة الجلجلة التي كانت عليها؛ وكأنه يخشى أن يكون في هذا الهبوط مفاجأة للسامع، فهو يلجأ في العجز إلى شيء قريب من الترصيع الذي رأيناه في البيت الأول، وذلك بقسمته نصفين هكذا:
ولم يخل دينار. ... ولم يخل درهم
فعولن مفاعيلن. ... فعولن مفاعلن
ولا أحسبك أيها القارئ الكريم قد خفي عنك موضع التدرج في التكرار، من جملة طويلة توشيك أن توازن نصف بيت هكذا:"ولم يخل من نصرٍ له من له" إلى قريب من نصفها "ولم يخل من" إلى قطعة منها واحدة موازنة لتفعيلة طويلة "فعولن" على وجه التقريب وهي "ولم يخل". ومثل هذا التكرار التدرجي في البراعة تدرج المتنبي من تقسيم ذي ترصيع سجعته في أرباع الأبيات، إلى تقسيم بلا