ترصيع حده شطر البيت، ثم الرجعة بعد ذلك إلى تقسيم بلا ترصيع يقف عند أرباع الأبيات. والفرق بين التدرجين أن أحدهما منحدر والآخر ملفوف. وترى صدق ذلك إن مثلته برسم بياني.
هذا، وفي الأبيات:"ضروب وما بين الحسامين"، "تبارى نجوم القذف"، "يطأن من الأبطال"، اكتفى الشاعر بتكرار كلمة من صدر البيت في عجزه، (ما بين) في الأول، (نجوم) في الثاني، (ومن لا) في الثالث. وهذا كما ترى هبوط من ذلك التكرار الشديد الذي في البيتين الأولين.
ثم يرجع المتنبي بعد هذا إلى تكرار أخف وأخفى من هذا، مداره على ضمير النسوة (هن) معادًا عند رأس كل شطر. وإذ بلغ المتنبي هذا الضرب الخفيف الخفي من التكرار، تطرق منه إلى ترك التكرار، واستعمال أصنافٍ بديعية منه كالمترادفات والمتزاوجات. ثم يترك هذه أيضًا ويستعمل لفظا خاليا من الصناعة التحسينية، ليس فيه غير الوزن وجرد الصياغة النحوية، وهو قوله:
ألم يسأل الوبل الذي رام ثنينا ... فيخبره عنك الحديد المثلم
وهنا يكون قد بعد كل البعد عن تلك الموسيقا المتداخلة المتشعبة التي كان قد بدأ بها عند قوله:"فلم يخل من نصرٍ الخ". ويختار الشاعر هذه اللحظة التي بعد فيها هذا البعد عن التكرار وما يصحبه من رنة وجرس، ليرجع إليه في شيء من التدرج. فيكرر الفعل "تلقاك" و"تلقاه" في الصدر والعجز. ثم "باشر" مرتين في الصدر، و"بل" مرتين في العجز. ويكفي بعد ذلك "بتلا" و"يتلو" ثم يرجع إلى التكرار فيكرر "زار" في الصدر، و"جشم" في العجز. ثم يترك المتنبي التكرار مختارا أول الأمر بيتًا لا صناعة فيه، هو:
ولما عرضت الجيش كان بهاؤه ... على الفارس المرخي الذؤابة منهم