للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسماء، لا يشترط فيها صدق الشاعر من الجهة الخبرية، إنما يشترط فيها صدقة من الجهة العاطفية، وصدقه من الجهة العاطفية يعرف بمقدرته على إحداث جو النسيب من تذكر وتفكر وحزن وحنين ونزوع إلى الماضي. فلو كرر "ريا" و"سعدى" كان ذلك كما لو كرر "الرباب" و"البسباسة"، وإنما الغرض تهييج عاطفة الغرام لا كر امرأة بعينها.

وتكرار المواضع له من الأثر السحري ما لتكرار أسماء النساء. ومن طلب هذا التأثير السحري ما أكثر الجاهليون من تعداد أسماء المياه والمضارب والمراعي والمراحل. ولعلك أن تقول إن زهيرًا حين قال (١):

ما زلت أرقبهم حتى إذا سلكت ... أيدي الركاب بهم من راكسٍ فلقا (٢)

دانية لشروري أوقفا أدمٍ ... تسعى الحداة على آثارهم حزقا (٣)

لعلك تقول: إن زهيرًا كان يصف رحلة قد حدثت. وليس في قوله "راكس" و"شروري" و"آدم" من تكرار، وإنما هو إخبار بما حدث ليس إلا. وأنا لا أنكر أن زهيرًا وأضرابه كانوا يستمدون من تجارب السفر حين يذكرون هذه المواضع، وربما عمد بعضهم إلى رحلة قد وقعت، فذكرها كما هي كالذي فعله أمرؤ القيس في الرائية (٤):

"سما لك شوق بعد ما كان أقصرا"

ولكني أقرر أن ذكر السفر والرحلات وتنقل الخليط الذي فيه الحبيبة من دار


(١) من قصيدته: إن الخليط أجد البين فانفرقا.
(٢) وفلقا هنا: مفعول فيه، أي وقت الفلق.
(٣) قوله قفا آدم: أي وراء أدم: يعني هذه الركائب قد دنت لشروري، أو هي وراء الموضع المسمى بأدم. والحداة يسعون على آثارهم جماعات. والحزقة: هي الجماعة.
(٤) سبق الحديث عنها في الجزء الأول بمعرض الحديث عن البحر الطويل- المرشد ١: ٤١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>