للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى دار، صار صورة من صور القصيدة، محتوما عليها أن تقترن بلون عاطفي خاص. والشاعر إنما يكثر من ترديد أسماء المواضع ليعطي هذه الصورة حقها كاملًا، ويفيض فيها بما أريدت له من روح منازع، حان والمواضع التي يذكرها لا تتحكم فيها تجاربه بقدر ما تتحكم فيها أوزانه وقوافيه وزنات لفظه. فزهير يذكر راكسًا هنا.

وفي المعلقة يذكر القنان حيث يقول:

تركن القنان من يمينٍ وحزنه ... ومن بالقنان من محل ومحرم

ومن تأمل سائر شعره وجد فيه المواضع تختلف باختلاف روي القصائد ووزنها. ولا أحسب زاعمًا يجترئ فيزعم أن زهيرًا وغيره يشيرون إلى تجارب سفريةٍ بأعيانها في كل قصيدة.

وقد فطن الإسلاميون الأوائل إلى ما في تسمية المواضع من تأثير سحري، وإلى قوة اللون العاطفي الذي تشيعه في المقدمات النسيبية، وإلى عنصر اللاواقعية الملابس لها، وإلى عنصر الحنين الخالص الذي يخاطب الوهم فيها، فحفزهم هذا على الإكثار منها في أشعارهم، مع تعمد البعد عن حقيقة السفر والجغرافيا فيما يكررونه من أسماء. فمن كان منهم ذا مزاج بدوي كالعجاج، تجد ترديده للأسماء مزدحمًا بالأوابد الغرائب، المسرودة سردًا، نحو قوله (١):

فإن تصر ليلى بسلمى أو أجا ... أو باللوى أو ذي حسا أو يأجحا

أو حيث رمل عالجٍ تعلجا ... أو تجعل الباب رتاجًا مرتجا (٢)

بجوف بصرى أو بجوف توجا ... أو ينتو الحي نباكًا فالرجا


(١) أراجيز العرب شرح البكر مصر (؟ ) ص ٧١.
(٢) تعلج: أي بعض. قوله: تجعل الباب، يعني: إن رحلت سلمى إلى كذا وكذا أو رحلت إلى بصرى وتوج -وهاتان مدينتان- وأقفلت أبوابهما في وجهي، فإن ... والجواب قوله:
أعرف وحيها المجلجا
أي أعرف إشارتها بالرغم من هذه الحوائل.

<<  <  ج: ص:  >  >>