تجاوزن الستار إلى شرورى ... فأظلم واعتسفن قرى الهدان
ولما غربت أعراف سلمى ... ولهن وشرقت قنن القنان
وخلفنا أياسر وارداتٍ ... جنوحًا والأيامن من أبان
وخفض عن تناولها سهيُل ... فقصر واستقل الفرقدان
تصوبت البلاد بنا إليكم ... وغنى بالإياب الحاديان
فانظر إلى هذه المواضع: ثبير، وبلدح، وطدان، والستار، وشرورى، وأظلم، وقرى الهدان، وواردات، وأبان، وسلمى، والقنان، كيف سردها سردًا وانتشى بترديدها، ثم لم يرض ذلك حتى عززه بذكر اسمين من أسماء النجوم.
هذا، وقد عبد البحتري بمسلكه الذي وصفناه، تلك السبيل التي افترعها جرير ومال إليها أبو تمام في مطالعه. وقد ارتبطت أسماء المواضع النجدية، مواضع الحجيج ارتباطًا وثيقًا بالنسيب والشوق فيما بعده، حتى صارت من جوهره وطبيعته، وحتى جعل الشعراء يتنكبون المواضع التي يعرفونها حق المعرفة، ويشاهدونها في روحاتهم وغدواتهم، من أجل منى والعقيق وسلع والمنحنى ورامة وسويقة وما إليها.
وقد أضفى الشريف الرضى لونًا دينيًا على كثير من هذه المواضع في حجازياته. ومع أن حجازياته قصائد غزلية نسيبية، نجد أن لها صلتها بالحج والدين، وكون الشريف نفسه من النقباء، ذلك أفاض عليها عطرًا من عطر الجنة، وقد تحدث الدكتور زكي مبارك عن هذه الحجازيات حديثًا حسنًا في كتابه عبقرية الشريف الرضي (١).
وقد اتبع مهيار الديلمي منهج الشريف الرضي في الإكثار من ذكر المواضع العربية. وما أن تصرم القرن الرابع، حتى كانت هذه المواضع بضاعة الشعراء وهجيراهم من أقاصي المشرق إلى أقاصي المغرب. ولما تحول مجرى القصيدة من
(١) في هذا نظر وقد يجيء شيء من ذلك من بعد إن شاء الله.