للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خذاني فجراني بثوبي إليكما ... فقد كنت قبل اليوم صعبًا قياديا (١)

وقد كنت عطافًا إذا الخيل أدبرت ... سريعًا إلى الهيجا، إلى من دعانيا (٢)

وقد كنت صابرًا على القرن في الوغى ... وعن شتمي ابن العم والجار وانيا (٣)

فطورًا ترانى في ظلالٍ ونعمةٍ ... وطورًا ترانى والعتاق ركابيا (٤)

ويومًا تراني في رحى مستديرةٍ ... تخرق أطراف الرماح ثيابيا (٥)

تكرار "قد كنت" هنا من النوع الترنمي الذي رأيناه في شعر المتنبي.

وأحسب الشاعر ارتاح إلى هذا النوع من التكرار بعد أن أكثر من ترديد الأسماء والكلمات المفعمة بالشجو وتخلصه هنا من الأسى الحار، إلى التذكر والتأمل، يشعر بذلك. وكتكراره "لقد كنت" تكراره "طورًا" وقد أرتاح منها إلى "يومًا" ويمكننا أن نعد "يومًا" هنا من قبيل التكرار الملحوظ، إلا أنه جيء به لتقوية النغم والرنين لا الصورة.

هذا، وبعد أن أسرف مالك علي نفسه في تذكر الماضي، وذكر ما كان ينتظره من الدفن والعفاء، طار لبه إلى الغضى، وإلى ذينك الأبوين الكبيرين اللذين خلفهما وراءه، ولعله كان وعدهما بفوزٍ وظفرٍ ومالٍ وافر، وجاهٍ طويل، وإلى تلك الزوج، وأولئك القرائب والأحباب، قال:


(١) صبعًا قياديًا: أي صعب القياد، عنيدا على الخصوم.
(٢) عطافا: أي كنت أعطف على الأعداء بحصاني، كارًا عليهم، حين تدبر الخيل وتهرب، ويخشى وقوع الهزيمة. مع كي على العدو فاني كنت أسرع إلى من يدعوني.
(٣) القرن: هو العدو الذي يكون بازائك في القتال. يقول: أنا سريع إلى لقاء القن، وإني بطيء عن شتم ابن العم.
(٤) العتاق: هي الخيل العتيقة الكريمة.
(٥) عنى بالرحى المستديرة: رحى الحرب التي تدور على الأبطال. وأحسبه أراد بالثياب: جلده، وأطلق الثياب على سبيل المجاز المرسل، لعلاقة المجاورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>