فيا صاحبًا إما عرضت فبلغن ... بني مازنٍ والريب أن لا تلاقيا
وعر قلوصي في الركاب فإنها ... ستفلق أكبادًا وتبكي بواكيا
ولنا أن نستنتج من هذا البيت أنه كان من عادة العرب في النعي أن يعروا رحالة الميت. وشبيه بهذا ما يفعله بعض أهل دنقلا عندنا من تولية الناعي وجهه عجز الدابة، وكأنه بذلك يريد الناس ألا يبصروا وجهه فيتشاءموا به. ولعل القارئ أحس قوة الجناس والتكرار في قول الشاعر:"تبكي بواكيا"- بله هذا الإبهام الذي يحمل ما يحمل من المعاني:
وأبصرت نار المازنيات موهنا ... بعلياء يثنى دونها الطرف رانيا
وهذا- أعني ذكر النار، وأنها توقد بالألنجوج والبكاء والرند- من مطالب الشعر العربي القديم، التي يكثر الشعراء من إيرادها في معرض التذكر والتشوق. من ذلك قول الحارث:
وبعينيك أوقدت هند النا ... ر قديمًا تلوي بها العلياء
وقول امرئ القيس:
تنورتها من أذرعاتٍ وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عال
وقول عدي بن زيد:
يا سليمى أوقدي النارا ... إن من تهوين قد حارا
رب نار بت أرمقها ... تقضم الهندي والغارا
وبها ظبي يؤججها ... عاقد في الخصر زنارا
(١) المها: هي بقر الوحش، وعنى بها النساء. والجوازي: هي التي تجتزئ بالرطب عن الماء. يقول أضاءت هذه النار لما أوقدت، نساء حورًا، أشباه الظباء الجازئات.