للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو نفسته الخيل لفتة ناظر ... ملأ البلاد زلازل وفتوقا

لثنى صدور السمر يكتشف كربة ... ولوى رؤوس الخيل يفرج ضيقا

أقول قد مال البحتري في هذين البيتين إلى جانب الخارجي. والبحتري على رونق لفظه قد كان بدوي النفس، جزلا. أم لعله كان صاحب تقية، وكان لا يريد أن يفرط كل الأفراط في ذم التغلبي، خشية أن يوغر صدور بعض فتاك تغلب عليه! ولا أرى لا أن القارئ قد تنبه إلى فخامة اللام في قوله لثنى، وإلى هذا النهج الفصيح الجزل الذي انتحاه الشاعر في سائر البيت. هذا، ثم يقول:

ولبكرت بكر وراحت تغلب ... في نصر دعواته إليه طروقا (١)

حتى يعود الذئب ليثا ضيغما ... والغصن ساقا والقرارة نيقا (٢)

هيهات مارس قلقلا متيقظا ... قلقا إذا سكن البليد وشيقا

مستسلفًا جعل الغبوق صبوحه ... ومرى صبوح غدٍ فصار غبوقا (٣)

لله ركضك إذ يبادرك المدى ... ومبين سبقك إذ أتى مسبوقا (٤)

جاذبته فضل الحياة فأفلتت ... من كفه قمنا بذاك حقيقا

فرددت مهجته وقد كرع الردى ... ليجف منهلا مطروقا

أقول: هذا البيت مما أتبع البحتري فيه أسلوب أبي تمام اتباعا بينا. فقد شبه مهجة الخارجي بالمنهل، ولما جعلها منهلا ذلك بأنه مطروق، على عادة


(١) طروقا: أي بليل أليل.
(٢) أي حتى يتفاهم الأمر ويعظم، وعبر عن ذلك بصيرورة الذئب أسدًا، والغصن سافا ضخما، والقرارة من الأرض نيقا. والنيق: هو أنف الجبل عند القمة.
(٣) يعني أن هذا الرجل لا يضيق ولا يجزع، ولا يتقيد منه بالتغلب على الصعوبات آخر الأمر.
(٤) الضمير في يبادرك يرجع إلى الخارجي -يقول: لله درك إذ انبرى الخارجي يبادرك إلى غاية السبق فسبقته.

<<  <  ج: ص:  >  >>