للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشعراء القدامى، والمنهل المطروق يكون في جمه البعر والروث والأوساخ. وتشبيه مهجة الخارجي بالمنهل المطوق يمثل ما أراده البحتري من نعته بالشراسة والعنجهية تمثيلا حسنا. ثم جعل الردى بمنزلة الكارع الظمأن الذي يريد أن يجف ذلك المنهل المطروق. ونسب إلى الممدوح حسن الصفح لأنه رد على الخارجي مهجته بعد أن كرعها الردى كرعا يريد به أن يجف منهلها ويفنيها. وهذا، ثم يقول البحتري:

لبس الحديد أساورا وخلاخلا ... فكفيته التسوير والتطويقا

بالتل تل ربيع بين مواضع ... ما زال دين الله فيها يوقى

ساتيدما، وسيوفنا في هضبة ... يفرى إياس بها الطلى والسوقا (١)

حتى تناول تاج قيصر مشربا ... بدم وفرق جمعة تفرقا

والجازران، وهتم إبراهيم في ... ثنييهما تلك الثنايا (٢) الروقا

قتل الدعي ابن الدعي بضربةٍ ... خلس وحرق جيشه تحريقا

والزاب إذ حانت أمية فاغتدت ... تزجي لنا جعديها الزنديقا (٣)


(١) قوله سايتما وسيوفناأجود فيه النصب: أي اذكر ساتيدما وسيوفنا، والشاعر رفعه بدليل قوله: الجازران -ولم أعرف إياسًا ولا الجازرين- ولعله أن يكون قد أراد بإبراهيم، إبراهيم بن الأشتر بدليل قوله الدعي، وهو عبيد الله بن زياد، ويكون الجازر الآخر هو الحصين بن نمير السكوني، وربما كان إياس هو ابن قبيصة من رجال الجاهلية، وكان واليا من قبل النعمان -ويبعد هذه التأويلات عندي كون هؤلاء جميعا من غير طي. على أن في القصيدة ما يشعر بأن البحتري أراد إلى ذكر أبطال نصروا دعوة الشيعة، بدليل لومه لطلحة والزبير وتيمو عدي، وجراءته على هذا القول أمام ممدوحه. ولكن هذا التأويل يفسده ذكر إياس، إذ أن إياسًا هذا إن كان جاهليًا فما للجاهلين والتشيع، وإن كان إسلاميا فمن هو؟ وأبطال الشيعة معروفون عندنا.
(٢) الثنايا الروق: أي العصل المعوجة، وكنى بها عن الدواهي- يقول: هتم إبراهيم في ثنييها: أي في ثني دروعها أنيابًا عصلا: أي قتلها.
(٣) الجعدي: هو مروان بن محمد، وجعله زنديقا لأنه كان يهتم بمذهب القدرية. وقولهم الجعدي نسبوه إلى جعد بن درهم وذبحه خالد لنعبد الله القسري كما يذبح كبش الضحية.

<<  <  ج: ص:  >  >>